الطعن في نتائج انتخابات الرئاسة في إيران لا يغير شيئا في خيار الشعب الإيراني، فالتصريحات التي أطلقها مير حسين موسوي، والاستعراض الذي قام به أنصاره في طهران لا يمكن أن يحجب حقيقة أن الانتخابات الإيرانية كانت نزيهة، والجدل حول قواعد اللعبة السياسية هناك لا يعني أن الانتخابات كانت مزورة. هذا ليس موقفا منحازا للرئيس محمود أحمدي لنجاد لأن اختيار الرئيس الإيراني أمر يعني الأمة الإيرانية وحدها، وبكل تأكيد فإن الأمة التي أسقطت الشاه وواجهت جهاز مخابراته المرعب بصدور عارية لن تخشى حكومة نجاد أو غيره، وهي قادرة في كل الأحوال على الدفاع عن خياراتها، لكن الذي يهمنا الآن هو أن إيران اختارت طريقها وعلى العرب أن يفهموا هذا الأمر جيدا وأن يحسنوا التعامل معه. هناك من راهن على مرشح الإصلاحيين، وخلال الأسابيع الماضية جرت عملية تسويق لأوهام صنعتها وسائل الإعلام الغربية عن التحول الذي قد يحدثه فوز الإصلاحيين في هذه الانتخابات، وخلال سنوات حكم الرئيس نجاد لم يجتهد أحد في فهم موقف الإيرانيين من السياسة الإيرانية وخاصة السياسة الخارجية، ووصف نجاد بالدوغمائية والشعبوية ليس وصفا دقيقا في كل الأحوال. ربما يكون تحدي الضغط الغربي والسير بالمشروع النووي قدما إلى الأمام من الأوراق الرابحة التي جعلت نجاد يحتفظ بمنصبه، لكن هناك أيضا انحيازه للفقراء في الداخل، وقدرته على بناء إيران كقوة إقليمية، وربما الأهم من هذا كله هو وفاؤه لمبادئ الثورة الإسلامية، ولا بد أن يفهم المعنيون بالتعامل مع إيران أن إعادة انتخاب نجاد هي رسالة من الأمة الإيرانية إلى العالم بأن السياسة التي انتهجت خلال السنوات الماضية هي الخط الذي يريده الإيرانيون، وأن ساعة تغيير النظام أو النكوص عن مبادئ الثورة التي قوضت أركان حكم الشاه وغيرت وجه المنطقة قبل ثلاثين عاما لم تحن بعد. من الخطأ أن يتعامل العرب مع نتيجة الانتخابات الإيرانية على أنها مثل نتائج الانتخابات التي تجري عندهم، فالأمر مختلف تماما وعليهم أن يقيموا حساباتهم على أساس هذه النتيجة، وأن يسعوا إلى بناء علاقة مع إيران تكون بعيدة عن تأثير السياسة الأمريكية.