والمعنون ب :'' مرايا الصوت - مختارات من الأدب الأريتيري'' وابتداءً من المقدمة الخجولة، والمكتوبة في الوقت نفسه باقتدار واحترافية لا شك فيها، تتضح خارطة السفر باعتباره رحلة النصوص الأريتيرية من هامش الدائرة الثقافية العربية إلى مركزها، على قدم المساواة مع كل الإبداعات المركزية الأخرى، سواء كانت جزائرية أو مصرية أو كويتية، هكذا يأمل المبدع محمود أبو بكر وبكثير من الإشفاق والحنين أن تساهم '' وسائط الاتصال الحديثة في ضمان الفرص المتكافئة'' لكل الأقاليم الثقافية العربية، بحيث تحضر الأطراف في المركز بقدر حضور المركز في الأطراف، ذلك أنه بقدر ما تستمر عزلة الأقاليم والهوامش بقدر ما يزداد فقر المراكز واحتياجها الحيوي إلى روافد جديدة وإلى أمواج من الدماء الشابة والأرواح الطازجة والرؤى الفنية الجديدة، أو كما يعبر محمود أبوبكر واصفا الهوية الجمالية الأريتيرية باعتبارها'' نتائج مجتمع يتنفس التنوع والتعدد الثقافي واللغوي، والذي تنازعته تاريخيا عدد من الثقافات والحضارات التي أسهمت بدورها في صقل وإثراء التجارب الفنية المختلفة، بدء بتأثير الأبعاد القيمية والعقدية وحضور الأساطير والفانتازيات والحكايا في المخيال الأدبي، وليس انتهاء بالقاموس الشعري والإيقاعات الغنائية والفنية المتعددة الطبقات'' والواقع أنهذا هو بالضبط مذاق الأشعار والقصص والفصول الروائية المجموعة في هذا الكتاب ضمن أنطولوجيا الأدب الأريتيري، مع العلم أن ''متوسط العمر بين بعض هذه الأعمال وبعضها الآخر يتجاوز أحيانا مسافة الخمسة عقود'' ويبقى أن أجمل وأقوي ما في هذا الكتاب هو اليقين الذي ينبض به كل سطر وكل كلمة، فمن المستحيل الشك في الهوية الإفريقية لهذه المتون المولودة قطعا تحت الشمس الإستوائية، لا لأنها تذكر لنا ( كاميشتاتو، وبادوبي وعقامي) وليس لأنها تسمي القوقعة قرقور وتسمي الجاموسة بقايت، بل لأن المكابدة الجمالية الملحوظة في كل قصة وقصيدة إنما هي مكابدة من أجل الإستقلال الفكري والجمالي عن المخيال الأوروبي المتغلغل في جسد المتن العربي حتى النخاع، بل وأيضا الاستقلال عن المدرسة الشرقية، المصرو- شامية التي يرغب النص الإبداعي الأريتيري في تجاوزها نهائيا على صعيد القاموس والأسلوبية كما على صعيد الحوافز الإبداعية نفسها، وللقارئ الجزائري أن يمتحن مدى نجاح المغامرة الأدبية الأريتيرية وأن يتأمل دلالات هذا النجاح•