إن مجموع هذه العوامل هي التي تخلق هوية اليسار الديمقراطي لهذا البلد أو ذاك - وهي وحدها ودون تسليح جيش حديث ومقاومة مسلحة، باستثناء البلدان التي لا زالت تحت الاحتلال واستعمار الاستيطان الأجنبي (فلسطين نموذجاً)، بما يعني من موازنات باهظة -، تستطيع أن تحمي ذاتها بشعبها من الهيمنة العسكرية والاقتصادية الساحقة، بل تستطيع أن تفعل في إصلاح النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين، لأنها تتعامل بذات الكفاءة المطلوبة مع قضايا العولمة الأخرى، التي تتراوح بين الصحة والبيئة والعمالة، طالما أن العالم لا يستطيع الحصول على نظام تجاري عالمي دون وجود سياسة اقتصادية عالمية جديدة، وسياسة عالمية للرعاية الصحية، وسياسة تعليم عالمية، وهذا ما يدور حوله الصراع الدولي الراهن بعد انهيار النظام الرأسمالي المالي العالمي بدءاً بالأمريكي ودخول الرأسمالية في الأزمة الجديدة ''الانكماش، الجمود، تراجع النمو، اللجوء إلى تدخل الدولة، انهيار النيوالليبرالية وسياسة الأسواق تضبط نفسها، البحث عن حلول أبعد من الكينزية نحو ''إعادة تأسيس وتقنين الرأسمالية''، وبعد الزلزال الأمريكي الكبير بانتخاب أوباما والانقلاب الثوري في القاعدة الاجتماعية الأمريكية تحت عنوان ''التغيير CHANGE''، ونحو ''أنسنة الرأسمالية'' وصياغة قوانين نظام مالي رأسمالي جديد يقوم على رقابة وتدخل الدولة، على المساءلة والشفافية، وسياسة أمنية عالمية• أمامنا تجارب بارزة على النهوض الإستراتيجي في المجتمع العالمثالثي وأدوار الدول دولياً (روسيا، الصين الشعبية، الهند، فيتنام، النمور الآسيوية، كوبا، التحولات اليسارية الكبرى في أمريكا اللاتينية، جنوب إفريقيا ••• الخ)• كما أنها الدولة التي تستطيع أن تقدم تغييراً هائلاً في دور المرأة، في المساواة بين الجنسين، والمساواة في المواطنة (المفقودة في الأقطار العربية والبلدان المسلمة)، وتكافؤ الفرص، والتنمية السياسية التعددية، الحزبية والنقابية، الفكرية والثقافية، الانفتاح على الآخر، التداول السلمي الديمقراطي على السلطة، وحق التصويت والتمثيل، قوانين انتخابات ديمقراطية بديلاً عن قوانين زرع الانقسام والصراع العبثي في المجتمع، وبديلاً عن المال السياسي الانتخابي والإعلامي المدمر للضمير الإنساني وحرية الاختيار البرنامجي، هذه هي الروافع للتغيير وكسر ''الزمن الدائري العربي'' الذي يتوالى فصولاً على مساحة قرون حتى يومنا• وباختصار هي الدولة التي تعتمد على الواقعية الطبيعية التي تقوم على مصالح الدولة ذاتها، وتوفير البدائل لتجديدها وتطوير وضع شعبها، وإيجاد الحلول لفقرائها، وسيطرتها على موضوعة البطالة والفقر والأمية، ولا يوجد بها مهمشين ومستبعدين، واستخدام النظام القانوني لتحقيق الرعاية الاجتماعية وعلى الطريق الطويل نحو الرفاهية، فالأمر الخصب النبيل هو إشراك الناس في حل قضاياهم العنوان الأبرز لليسار الديمقراطي•