محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    مجلس الأمن: مجموعة "أ3+" تؤكد على ضرورة احترام سيادة سوريا وتدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الوضع العالمي مؤسف.. والجزائر لا تريد زعامة ولا نفوذا في إفريقيا    تتويج مشروع إقامة 169 سكن ترقوي بتيبازة    افتتاح الملتقى الكشفي العربي السادس للأشبال بالجزائر العاصمة    عناية رئاسية لجعل المدرسة منهلا للعلوم والفكر المتوازن    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    حملة "تخوين" شرسة ضد الحقوقي المغربي عزيز غالي    "حماس" تؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    5 مصابين في حادث مرور    دبلوماسي صحراوي: "دمقرطة المغرب" أصبحت مرتبطة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    الإطاحة بعصابة تروِّج المهلوسات والكوكايين    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    الجزائر تتسلم رئاسة الدورة الجديدة لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب    سوناطراك: استلام مركب استخراج غاز البترول المسال بغرد الباقل خلال السداسي الأول من 2025    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    مشروع جزائري يظفر بجائزة مجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب لسنة 2024    المحكمة الدستورية تكرم الفائزين في المسابقة الوطنية لأحسن الأعمال المدرسية حول الدستور والمواطنة    هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025 عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها    ربيقة يواصل سلسة اللقاءات الدورية مع الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني    ترشيح الجزائر للسفيرة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهدف لخدمة الاتحاد بكل جد وإخلاص    آفاق واعدة لتطوير العاصمة    مولوجي: علينا العمل سويا لحماية أطفالنا    95 بالمائة من المغاربة ضد التطبيع    إلغاء عدّة رحلات مِن وإلى فرنسا    عطّاف يلتقي نظيره الإثيوبي    مولى: الرئيس كان صارماً    برنامج الأغذية العالمي يعلن أن مليوني شخص في غزة يعانون من جوع حاد    الاتحاد يسحق ميموزا    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    انطلاق فعاليات "المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية" : وزير الثقافة يدعو إلى ضرورة التمسك بالثقافة والهوية والترويج لهما    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    وفاة الفنان التشكيلي رزقي زرارتي    سوريا بين الاعتداءات الإسرائيلية والابتزاز الأمريكي    جزائريان بين أفضل الهدافين    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    المولودية تنهزم    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب حزيران 67 .. نكسة عسكرية بالدرجة الأولى وليست نهاية التاريخ
نشر في الحوار يوم 06 - 06 - 2009

في حرب 1967 ، والتي أطلق عليها اسم '' نكسة حزيران '' انهزم العرب في خمسة أيام وتشرد مئات آلاف الفلسطينيين والعرب، وسقطت القدس أولى القبلتين ومعها الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وبلغت القوات الإسرائيلية قناة السويس، وفي الجهة الأخرى نجت دمشق بأعجوبة من الغزو بينما سقط الجولان السوري وظل إلى الآن، كل ذلك قد وقع، وهو بالمقاييس العسكرية والسياسية والنفسية كارثة لا تطاق، لم يكن يوم ذاك بوسع السواد الأعظم من الشعب العربي الذي نخرته الأميّة والفقر والاستبداد والتسلط الاستعماري أن يستوعب ما جرى، حتى أن نخبة المثقفين احتارت في حصر معنى الواقعة وتحديد اسم لها، وهل هي هزيمة أم نكبة أم كارثة؟ مع العلم أن ما جرى لم يكن خارجا عن السياق بل هو معركة في حرب ذات فصول عديدة وصفحات لها أكثر من لون، وما وقع لم يكن إلا مجرد ''نكسة''.، الحديث عن حرب ,1967 قد أثار عند البعض حنقا على الجيوش العربية التي انهزمت في لمح البصر، وحمّل قيادات سياسية تاريخية مسؤولية ما حدث، وحتى الراحل جمال عبد الناصر شك في نفسه واستقال وطالب بأن يحاسب، لكن المصريين والعرب رفضوا استقالته وهتفوا له ''ارجع يا ناصر عن قرارك''، ومن يومها أخذت روح جديدة تستشري وبدأ الإحساس الفظيع بالهزيمة يتقلص ليستفيق الجميع على الحقيقة كما هي.
نكسة حزيران ..ماذا حدث حقيقة ؟
شن الطيران الإسرائيلي في الخامس من يونيو/ حزيران 1967 هجوما جويا دمر به أغلب ما بحوزة سلاح الطيران في كل من مصر وسوريا والأردن، وفرض سيطرته الجوية على سماء البلدان الثلاثة. بعد ذلك بدأت عملياته البرية والبحرية، وحققت إسرائيل في نهايتها نصرا كبيرا كانت له نتائج مهمة عسكريا وسياسيا واقتصاديا.وعلى الرغم من الانتصار الجزئي الذي حققه العرب في حرب ,1973 فإن عظم الآثار التي خلفتها هزيمة 1967 لا تزال تتفاعل في الواقع العربي حتى الآن.الطلعات الجوية المباغتة للطيران الإسرائيلي في اليوم الأول لحرب 1967 وما خلفته من تدمير لسلاح الطيران العربي حسمت المعركة، وأجبرت الهزيمة التي مني بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي في الضفة وغزة ومدن القناة (بورسعيد والإسماعيلة والسويس) على الهجرة من ديارهم '' ولم تتوقف الخسائر عند هذا الحد وإنما أجبرت تلك الهزيمة التي مني بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي بالضفة الغربية وقطاع غزة والمدن الواقعة على طول قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلة والسويس) على الهجرة من ديارهم، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة تضاف إلى مشكلة اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم عام .1948 كما أجبرت قرابة مائة ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا.شملت النتائج أيضا احتلال مساحات كبيرة من الأرض، الأمر الذي زاد من صعوبة استرجاعها حتى الآن كما هو الشأن في كل من فلسطين وسوريا، وحتى ما استرجع منها (سيناء) كانت استعادة منقوصة السيادة.
سيناء منقوصة السيادة
فور احتلالها لسيناء عام 1967 شرعت إسرائيل على الفور في: نهب آبار النفط لسد احتياجاتها المحليةالاستفادة من المطارات والقواعد الجوية التي كانت موجودة آنذاك، وضع أجهزة إنذار على الجبال والمرتفعات، إقامة خط دفاعي على الضفة الشرقية لقناة السويس عرف باسم خط بارليف هذه الأمور مجتمعة أفادتها عسكريا وإستراتيجيا فحسنت من قدرتها على المناورة بقواتها، وأصبح بمقدورها مهاجمة مصر في العمق فطالت طائراتها الكثير من المنشآت العسكرية والمدنية والاقتصادية (مطارات، مصانع، مدارس،.. إلخ) إلى أن تمكن الجيش المصري من الحد من هذه الهجمات وذلك بعد تمكنه من بناء حائط صواريخ على القناة بمساعدة الاتحاد السوفياتي. وعلى الرغم من استعادة مصر جزءا من سيناء في حرب عام 1973 والأجزاء الأخرى بالمفاوضات التي أعقبت ذلك سواء في كامب ديفد عام 1978 وما تلاها من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 أو بالتحكيم الدولي عام 1988 واستعادة آخر ما تبقى (طابا) عام ,1989 فإن هذه الاستعادة -كما سبق القول- غير مكتملة السيادة، وهو ما يعني أن هزيمة 1967 لا تزال تلقي بتداعياتها على الشأن المصري حتى الآن. فطبقا لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وملاحقها (3 ,2 ,1) فإنه:محرم على الجيش المصري تسليح سيناء بالعتاد الحربي الذي يريده والذي يضمن لها السيادة والحماية الكاملة، وكل ما يوجد هناك بدءا من أعداد الجنود ونوعيات ما يحملونه من أسلحة مقرر سلفا في المعاهدة وخاضع لمراقبين دوليين تابعين للأمم المتحدة ومن غير الجائز تغييره إلا بموافقة الطرفين وبتصديق من برلمانهما، وفي عموم سيناء ممنوع على المصريين إقامة مطارات أو موانئ حربية، وأن سيناء كلها مقسمة إلى خطوط ومناطق أمنية، ويتم وفقا للمعاهدة وضع أعداد معينة بأسلحة محددة من القوات المصرية في كل منطقة أو خط أمني. وقد التزمت الحكومات المصرية المتعاقبة بتنفيذ ما ورد في هذه المعاهدة، حتى إنه حينما قالت إسرائيل إن عمليات تهريب الأسلحة من سيناء إلى الأراضي الفلسطينية عبر غزة قد ازدادت طالبة من الحكومة المصرية زيادة أعداد قواتها لمراقبة الحدود بواقع 750 جنديا فقط، اشترطت مصر أن يتم ذلك بتوقيع بروتوكول إضافي يلحق بمعاهدة السلام وأن يصادق عليه الكنيست، وهو ما تم بالفعل في سبتمبر 2005 بأغلبية 53 صوتا مقابل 28.#
أما طابا (كلم2 واحد) الواقعة شمال خليج العقبة والتي استعادتها مصر بالتحكيم الدولي عام 1988 واستلمتها عام ,1989 فإنه ووفقا لقرار القضاة الدوليين مسموح للإسرائيليين بدخولها دون تأشيرة دخول مدة 48 ساعة. ولا تزال تلك الأوضاع على حالها حتى الآن، أرض غير مكتملة السيادة، ووجود إسرائيلي في منتجع طابا تحت لافتة السياحة بتحكيم دولي.
الضفة الغربية والقدس الشرقية.. احتلال وتهويد
كان من تداعيات 1967 احتلال الضفة والقدس الشرقية وتقطيعهما بالمستوطنات وتهويدهما بمحاولات طرد العرب وهدم منازلهم، كما صودرت أراض بلغت نصف القدس الشرقية يوم الرابع من يونيو/ حزيران ''1967 والحال نفسه تكرر على الجبهة الأردنية، فقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (5878 كلم2) عام 1967 وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كلم إلى 480 كلم (من بينها 5,83 كلم طول البحر الميت). وشرعت إسرئيل على الفور في نهب الكثير من ثروات الضفة لا سيما المائية منها، والقيام وبطريقة منهجية بعمليات تهويد للقدس الشرقية.واستطاعت باستيلائها على أراضي الضفة تحسين وضعها الإستراتيجي وقدرتها على المناورة العسكرية، وإزالة الخطر الذي كان من الممكن أن يتهددها من وجود أي جيش عربي منظم ومسلح في الضفة الغربية التي تعتبر القلب الجغرافي لفلسطين التاريخية. السيطرة على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (حوالي 70 كلم 2) والتحكم في مقدساتها الإسلامية كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.إخضاع 5,2 مليون فلسطيني لسيطرتها حسب (تقديرات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عام .2006زيادة أعداد المستوطنين وبناء المستوطنات التي ابتلعت مساحات كبيرة من أراضي الضفة والقدس حتى وصل عدد المستوطنين الآن 260 ألفا بالضفة و185 ألفا بالقدس الشرقية (وفقا للمصدر السابق). ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية في جويلية 1967 ثم إعلانهما بقرار من الكنيست عاصمة موحدة وأبدية في جويلية .1980 العمل وبالتدريج على تنفيذ سياسة تهويد للقدس وطرد للسكان العرب وهدم للمنازل والأحياء العربية، ومصادرة للأراضي حتى بلغ مجموع ما صادرته من تلك الأرض ما يقارب نصف المساحة التي كانت عليها القدس الشرقية في الرابع من يونيو/ حزيران .1967
الجولان.. احتلال ونهب للثروات
أما على الجبهة السورية وبعد هزيمة الجيش السوري، فقد استولت إسرائيل على 1158 كلم 2 من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كلم .2 وحقق استلاؤها على تلك الهضبة مزيدا من المكاسب الإستراتيجية التي كانت تحلم بها وذلك لما تتميز به الجولان من تضاريس تجعلها مرتفعة عن سطح البحر حيث تستند إلى جبل الشيخ من جهة الشمال ووادي اليرموك من الجنوب، وتشرف إشرافا مباشرا على الجليل الأعلى وسهلي الحولة وطبريا. وكانت إسرائيل قبل الخامس من يونيو/ حزيران تعتبر الوجود العسكري السوري فيها مدعاة لتهديد مناطقها الشمالية. وشرعت إسرائيل في تجهيز نقاط عسكرية في تلك الأماكن ومن أهمها ما أعدته في جبل الشيخ من حصن عسكري على ارتفاع 2224 مترا عن مستوى سطح البحر، كما أقامت كذلك قاعدة عسكرية جنوب الجولان.وقد أضافت الجولان لإسرائيل عمقا دفاعيا تأكد به إبعاد الخطر المباشر عن مناطقها الحيوية الآهلة بالسكان وجعل القوات الإسرائيلية نفسها مصدر تهديد للعاصمة السورية دمشق عبر محور القنيطرة دمشق وكذلك عبر محاور حوران.ولا تزال إسرائيل -حتى اليوم ورغم مرور 42 عاما- تحتل الجولان، ولم تستطع سوريا في حرب عام 1973 تحريرها، ولا تزال تداعيات هذا الاحتلال تتوالى.فممن تم تهجيره من أهالي الجولان ما يقارب 100 ألف نسمة لا يزالون يعانون المشكلات الناجمة عن النزوح عن ديارهم، وقد بلغ عددهم الآن حوالي 170 ألفا يسكن معظمهم العاصمة دمشق. أما من بقي منهم في الجولان فيتراح عددهم بين 17 و20 ألف نسمة يعيشون في أربع قرى رئيسية ويعمل أغلبهم بالرعي والزراعة، فيخضعون للقانون الإسرائيلي الذي صدر من الكنيست عام 1981 تحت عنوان قانون مرتفعات الجولان. وكما فعلت من قبل بالضفة الغربية والقدس الشرقية، فقد شجعت اليهود على الاستقرار في الجولان حتى بلغ عددهم الآن -وفقا للمصادر الرسمية الإسرائيلية- حوالي 18 ألف مستوطن يقيمون في 33 مستوطنة.ولم يتوقف يوما منذ أربعة عقود النهب الإسرائيلي لموارد الجولان الطبيعية وخيراتها الزراعية.فالمستوطنون يزرعون حوالي 80 كلم ,2 ويستفيدون من معظم المراعي البالغة مساحتها 500 كلم .2كما نشطت شركات السياحة الإسرائيلية في استغلال ذلك لدرجة وصلت نسبة إشغال الغرف السياحية المستثمرة لحسابها حوالي 100 ألف غرفة، وبلغت أعداد السائحين للجولان سنة 2006 قرابة مليوني سائح. وتستغل إسرائيل الجولان صناعيا حيث أقامت هناك منطقة صناعية يعمل فيها أكثر من ألف عامل إسرائيلي.أما عن الثروات المائية فهي من أهم ما تستغله إسرائيل من موارد الجولان الطبيعية، حيث تستولي على مياه نهري اليرموك وبانياس وتستفيد منهما في الشرب والزراعة.
نكسة يونيو كرست التجزئة
نكسة حزيران ,1967 كانت بالفعل زلزالا في الفكر السياسي العربي، وهي وإن مازالت آثارها ماثلة إلى الآن، فقد استوعب العرب التجربة المريرة، واستطاعوا ان ينهضوا من جديد، ولكنهم نهضوا فرادى وأقطارا وطوائف، وهذه نهضة منقوصة وغير قابلة للحياة، بفعل اختلاف الآراء والولاءات، وتضارب الشعارات، حتى الثورية منها، مع الواقع على مدى نحو 42 عاما وقسم كبير من المحللين السياسيين العرب ينكب على تحليل نتائج النكسة القاسية في يونيو- حزيران 1967 التي منيت بها الجيوش العربية أمام إسرائيل، ويبحث في تداعياتها، وتتوصل أغلب التحاليل إلى ميلاد خارطة سياسية جديدة في الوطن العربي، قياسا بما قبلها، فقد هزت النكبة الثانية التي عاشها العرب في أقل من عشرين عاما ''بعد اغتصاب فلسطين عام ''1948 جميع الثوابت، وسقطت قوى وصعدت أخرى، وتواصل هذا المخاض إلى بداية السبعينيات، بعد رحيل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
في دوامة السبعينات تولدت خاريطة جديدة في مصر والوطن العربي، فبعد أن تلقى الفكر القومي التحرري ضربة موجعة، بدأت تتمرد عليه تيارات فكرية سياسية أخرى، جراء تأزم الواقع الاجتماعي، وشيوع ايديولوجيا الهزيمة. فبعد أن كانت شعارات الوحدة العربية وأناشيدها تشنف آذان العرب من المحيط إلى الخليج، انتشرت بعد الخامس من حزيران 1967 رائحة الخيبة أمام تراجع أسطورة النهوض القومي أيما تراجع عما كانت عليه في الخمسينيات والستينات، بعد النكسة بدأت تلوح في الأفق أشكال جديدة من الخطابات السياسية وبرزت ظواهر ضغطت بحدة على الفكر العربي، ودفعت باتجاه إعادة تأثيث إشكالياته على أرضية من التشخيص الجديد للمشكل العربي. وقد بدا تأثيرها على الوعي العربي واضحاً، رغم كل المحاولات التي رامت التخفيف من وطأتها النفسية إلى حد أعادت فيه الفكر العربي إلى وضعية الأزمة. وكان ظهور آثار النكسة سريعا في المجال الأيديولوجي والسياسي والثقافي بمعناه العام، وبرزت دعوات مبكرة لمراجعة حصاد مواجهة الاستعمار والتأسيس لنظريات جديدة، ومفاهيم قادرة على امتصاص آثار النكسة.وبمراجعة تقويمية للسياسات العربية في مرحلة ما بعد النكسة، يتم الكشف عن الكثير من الوقائع التي تثبت إلى أي درك تدحرجت السياسة العربية، وكانت الثمرة المرة، والنكسة الكبرى عندما بدأت بعض الأنظمة تنسج العلاقات مع الكيان الإسرائيلي والاعتراف بوجوده فيما بعد، وإطلاق مقولات السلام المنمق والتنازل عن أرض فلسطين، وبدلا من المطالبة بفلسطين التاريخية ''أراضي ''1948 أصبحت المطالبات مقتصرة على أراضي ,1967 التي لم تنسحب منها إسرائيل إلى الآن، باستثناء سيناء المصرية، وأغلب مناطق الجنوب اللبناني.
النكسة نهاية مرحلة وبداية أخرى
كان من تداعيات نكبة 1948 حرص الدول العربية المحيطة بإسرائيلعلى عدم الانجرار لصدام معها غير محسوبة عواقبه. وعليه تصدت أجهزة أمنها لكل نشاط شعبي مسلح، بما في ذلك المنظمات الفلسطينية التي برزت مطلع ستينات القرن الماضي. غير أن نكسة 1967 دفعت الأنظمة للانفتاح على العمل الفدائي لحين استعادة جيوشها قوة الردع. وهذا ما يدل عليه قول الرئيس عبدالناصر ''العمل الفدائي أنبل ظاهرة في ليل الهزيمة''. ومنذ معركة الكرامة ربيع 1968 استقطبت المنظمات آلاف الشباب العرب، الذين وجدوا فيها تعويضاً لانحسار الحركة القومية العربية والتنظيمات اليسارية الأخرى. وبانتقال فصائل المقاومة للجنوب اللبناني سنة 1971 شكلت قواعدها مدارس كوادر المقاومة اللبنانية الناشئة، التي تسارع تطورها بالالتحام المباشر بقوات الغزو الصهيونية لتبلغ ذروة انجازها بتحرير الجنوب عام ،2000 ثم بإسقاط قوة الردع الصهيوني صيف .2006 وذلك ما تأكد بفشل المحرقة في النيل من صمود ومقاومة قطاع غزة مطلع العام الحالي. ولم تكن النكبة قد أفقدت الشعب العربي الفلسطيني 78 من ترابه الوطني فقط، وإنما تسببت ايضاً في إفقاده وحدة نسيجه المجتمعي بتوزعه بين الصامدين في الأرض المحتلة، والباقين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والموزعين في الشتات العربي والدولي. فضلاً عن افتقاره للمنظمات السياسية الوطنية، بحيث انتسب نشطاؤه للأحزاب والتنظيمات العربية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار. ولكن شعب فلسطين بإصراره على التحرير والعودة شكّل العقبة الكأداء أمام مبادرات الصلح المتوالية، وأفشل كل مشروعات التوطين، إلا أنه لم يقم المؤسسة الكيانية المعبرة عن إرادته في تحقيق ثوابته الوطنية حتى أقيمت منظمة التحرير الفلسطينية بمبادرة من القمة العربية ربيع .1965 غير أن انطلاق العمل الفدائي حرر الشعب العربي الفلسطيني من مشاعر اليأس والإحباط الغالبة عليه، وعزز لديه ثقته بحاضره ومستقبله، وأعاد إليه اعتباره كصاحب قضية وطنية يناضل في سبيلها. ثم إن احتلال كامل فلسطين أنهى الفرقة بين مواطني الضفة والقطاع وبينهم وبين اشقائهم في الأرض المحتلة سنة ،1948 كما توالت التفاعلات والاتصالات مع الشتات الفلسطيني. وبعد أن كانت عودة اللاجئين بموجب القرار 194 وحدها المطروحة على المجتمع الدولي غدت بعضاً من المطالب الوطنية الشاملة تحرير الارض المحتلة سنة 1967 من دون التفريط بما سبق احتلاله سنة .1948 وعليه يبدو جلياً أن الشعب العربي الفلسطيني بدأ بعد النكسة يخطو بتقدم نحو مرحلة جديدة في واقعه باتجاه الحراك المتنامي ليغدو الرقم الصعب في الصراع الذي فرض على أمته العربية بإقامة مشروع الاستعمار الاستيطاني العنصري على ترابها القومي في فلسطين. ولقد كان من عوامل ضعف بنى المجتمعات العربية، التي يسرت انتصار التحالف الأمريكي - الصهيوني سنة ،1967 احتدام صراعات القوى السياسية على الصعيدين القطري والقومي، وافتقادها ارادة التلاقي في جبهات تؤلف بين قواها وتجمع الامكانات والقدرات الوطنية المتاحة في تقديم الاستجابة الفاعلة في مواجهة التحدي الذي كان يواجه الجميع. ولقد وصل الأمر ببعضهم حد الصلاة لله شكراً على هزيمة عبدالناصر، فيما رقص آخرون في السجون وقد ظنوا أنه انفسح المجال لهم لدور قيادي كانوا يفتقدونه. غير أن الزلزال الذي أصاب الحركة القومية، وتداعياته في أعقاب رحيل عبدالناصر، استنهضا إرادة الممانعة التي تختزنها الأمة عند نخبة من القوميين التقوا على إقامة -مركز دراسات الوحدة العربية-، واتخذوا منه منبراً لمراجعة الفكر والعمل القومي، وحوار رموز التيارات الإسلامية والليبرالية والماركسية، بحيث توصلوا مع بعضها لإقامة -المؤتمر القومي العربي- ثم ''المؤتمر القومي الاسلامي'' و"مؤتمر الاحزاب العربية"، الملتزمة ثلاثتها بالأهداف القومية الستة: الوحدة، والتحرر الوطني والقومي، والديمقراطية، والتنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، والتجدد الحضاري. ولقد غدا ملحوظاً في غالبية الندوات الفكرية في مشرق الوطن العربي ومغربه التقاء مفكرين ونشطاء من التيارات الأربعة في حوار ديمقراطي وجدل موضوعي، بحيث تميزت مرحلة ما بعد النكسة في الحراك السياسي العربي عما كانت عليه الحال في مرحلة التشرذم والتناحر السابقة لها. ولا شك في أن إسرائيل حققت انتصاراً مبهراً في -حرب الأيام الستة- توجت به مرحلة الانتصارات المتوالية منذ حرب 1948-،1949 التي حققها التجمع الاستيطاني الصهيوني بقيادة تجمع اليسار الصهيوني بزعامة حزب العمل، وبرنامجه الاقتصادي الاجتماعي غير الرأسمالي، فضلاً عن الدعم الأمريكي والأوروبي الغربي مادياً ومعنوياً. غير أن خسارة إسرائيل حرب الاستنزاف، التي باشرتها مصر بمعركة -راس العش- بعد النكسة بأيام، سجلت بداية مرحلة الفشل الصهيوني المتوالي في العدوان على الجوار العربي، الذي بلغ غايته بالعجز عن التأثير في إرادة مواطني قطاع غزة برغم المحرقة. ولقد واكب انحسار قوة الردع، وسقوط اساطير التفوق الصهيونية المدعى بها، تراجع طردي في الدور القيادي لحزب العمل وبقية أحزاب اليسار والقوى العلمانية الصهيونية، مقابل تنامي دور وفعالية حزب الليكود وبقية احزاب اليمين والجماعات التلمودية. إلا أن النكسة التي بدت وكأنها حسمت الصراع لصالح التحالف الامبريالي - الصهيوني، فإنها بالتحولات الجذرية التي اعقبتها على الصعيدين العربي والصهيوني، لم تجاوز كونها معركة على درب الصراع التاريخي الممتد بين الأمة العربية والتحالف الإمبريالي الصهيوني، صراع لا يحسم إلا بالنصر الحاسم والنهائي لأحد طرفيه. وحين يغدو في مقدمة اهتمامات الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضمان أمن إسرائيل ففي ذلك مؤشر على تميز المرحلة التي بدأت بعد النكسة، بكون الزمن لم يعد يعمل لصالح المشروع الصهيوني كما كانت عليه الحال في المرحلة السابقة.
حرب حزيران ,.67 نكسة عسكرية بالدرجة الأولى ولم تكن نهاية التاريخ
ما جرى فجر الخامس من حزيران كان نكسة عسكرية بالدرجة الأولى ولم تكن نهاية التاريخ، وإلا لما نهضت غداتها ثقافة مقاومة جديدة وقفز إلى الأذهان وعي حارق مازال يدير بنفس الروح الصراع العربي الصهيوني، وهذا الوعي هو الذي سطّر معركة الكرامة المشرّفة عام ,1968 وجلب النصر في معركة استرداد الكرامة عام ,1973 وصولا إلى الهزيمتين الصهيونيتين عام 2000 و2006 في لبنان، فضلا عن الانتصارات التي حققتها المقاومة في الأراضي الفلسطينية.. على الرغم من المؤاخذات الكثيرة على اتفاق أوسلو، وتمكّن الرئيس الراحل ياسر عرفات من تأسيس سلطة وطنية وتلقّيه وعدا بقيام دولة، وهذا في جانب منه ناتج عن الوعي الذي استشرى بين العرب جراء نكسة ,67 وإلا لكان مصير القضية الضياع وسط تقلبات دولية متسارعة يقتضي دخولها نسيان المنى وركوب الحذر! الخروج من النكبات وما صنعت لا يمكن أن يتحقق من خلال نسخ تتطابق أو تتشابه مع ما كان قبل 1967م وأدّى إليها، بل يتحقق من خلال ظهور قيادات على المستوى العربي (والإسلامي) تتجاوز ما مضى، بأن تنبثق عن الإرادة الشعبية المتلاقية مع الصمود والمقاومة في أكثر من مكان، ومع الانتفاضات الفلسطينية وقياداتها التي حققت من الإنجازات ما يبدو أشبه بالمعجزات، بمراعاة ما تواجهه من حصار وقمع، يشارك فيه الأقربون بطعنات في الظهور أخطر مفعولا مما تصنعه القوى المعادية من خارج المنطقة. إن الذكرى التاريخية لنكبة 1967 تفرض أن نجدد في ذاكرتنا البشرية، الفردية والجماعية، ما كان من أسبابها ومقدماتها، وأن نعمل لتجنبها، وأن نجدد في وعينا ما أوصلت إليه سياسات المحاور، والانحرافات، وصراع التيارات المتعددة، والانفصام بين التصورات التي حكمت ذلك كله وبين الإرادة الشعبية، والوعي الشعبي، والذاكرة التاريخية الصادقة، لنتجنب تكراره. يجب أن نخرج أولا من النكبة وما سبّبها وأن نخرج ممّا صنعته في الواقع القائم حولنا، فذاك شرط أولي وأساسي لا غنى عنه لشق طريق الخروج من عصر النكبات، وإعداد العدة المشتركة في قضية مصيرية مشتركة، وتحويل شعلة الصمود والمقاومة والانتفاضات المتتابعة وسط الحصار، إلى شعلة عمل مشترك يترفع على الخلافات والنزاعات ويتكامل عبر تعدد التصورات والمنطلقات. إن الذين لا يصنعون ذلك ولا يشاركون فيه يعيشون بذاكرتهم وواقعهم في عام 1967م ولا يمكن أن يصنعوا سوى شبيه ما شهده ذلك العام وما بعده، وإنهم ليعزلون بذلك أنفسهم هم عن مسيرة الشعوب، فهي التي فجرت طاقات الصمود والمقاومة، وسوف تتجاوزهم، آجلا أو عاجلا، فإما أن يلحقوا بها، أو يتحولوا كسواهم، إلى بقع سوداء في مسلسل ذكريات تاريخية مأساوية.. وتستمر مسيرة التغيير دونهم. وقد آن الأوان أن ندرك جميعا أن من المستحيل توظيف التعددية في حياة مشتركة تحقق النهوض والبناء، يوما ما، إذا استمر توظيف التعددية في نصب العراقيل والعقبات وصناعة النزاعات والصراعات في وجه كل خطوة مشتركة للخروج من النكبات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.