أما الأمر فمختلف بعض الشيء مع النشر الورقي والصحافة التقليدية من صحف ومجلات، لأنه يمر عبر مؤسسات نشر لها لجان قراءة، ومؤسسات إعلامية تفترض الحد الأدنى من الأهلية والكفاءة في القائمين عليها، وتفرض الحد الأدنى من المعايير في تقييم النصوص التي تنشرها· شخصيا لا أجد تفسيرا مقنعا لعزوف أدبائنا وكتابنا عن النشر الورقي ونشر أفكارهم ونصوصهم في المجلات والصحف الورقية التي تخصص ملاحق وصفحات للشأن الثقافي·· ولذلك أرجح سببا هو العجز والفشل وعدم الثقة في ما يكتبون، ثم استسهال النشر الإلكتروني الذي يتم عن طريق الكلمة السحرية ''أرسل'' التي تكفي لكي يتحول النص إلى نص يقرأ في أي موقع أو منتدى أو مدونة دون غربلة أو تمحيص، ودون أن يمر على ناقد حصيف أو مشرف مؤهل، لأن الهدف هو ملء الصفحات الافتراضية بأي مادة وبأية نصوص بغض النظر عن قيمتها الفنية والجمالية·· صحيح أن الأنترنت أحدثت هزة كبيرة في بنيتنا الفكرية، ولكنها لم تتحول بعد إلى مصدر للإبداع يمكن أن يشكل بديلا عن الوسائل التقليدية للثقافة والأدب كالكتاب، ولذلك فإنها إلى حد الساعة مازالت وسيلة للاتصال والدعاية والانتشار، ومازالت بعيدة عن أن تتحول إلى مرجعية لها وثوقية المكتوب والورقي · لكنها بالمقابل ساهمت بما لها من قدرة على تخطي الحدود والحواجز في انتشار الكثير من الإبداعات والنصوص التي مرت عبر الورق، لا سيما أن هناك مسلمة جديدة وهي أن كل ما ينشر ورقيا ينشر إلكترونيا بالضرورة، فلكل مؤسسة نشر أو مكتبة أو مجلة أو صحيفة نسختها الإلكترونية وموقعها على شبكة الانترنت · وبالنهاية فإن الأنترنت إلى حد الآن لم تنجح في فرض كاتب واحد، ويظل كتّاب الانترنت على كثرتهم، والذين يصرون على الوصول إلى قرائهم الافتراضيين مباشرة عن طريق الشبكة العنكبوتية مجرد أشباح أدباء افتراضيين، ليس لهم نفس قوة حضور الكاتب عبر المكتوب الورقي، الذي يظل الأرقى والأبقى· في حين تنتج الأنترنت أدبا - يمكن أن نسميه الأدب الخائلي أوالخلّبي أوالافتراضي - أوهى من بيت العنكبوت لا يعتد به في الدخول الأدبي، ولا تقاس به الكتب الأكثر مبيعا· لأن كل ما لا يكتب لا يعول عليه·· فافهم هذا الهامش · [email protected]