وجد العديد من المبدعين ظالتهم في " العالم الافتراضي " الذي أتاح لهم الفرصة لنشر أعمالهم والتواصل فيما بينهم على مساحات واسعة وبجرعات زائدة من حرية التعبير ، حتى أن بعض الكتاب أصبحوا يجدون صعوبة في كتابة نصوصهم بالقلم جراء تعودهم على الكتابة على جهاز الحاسوب، غير أن الأمر لايخلو من السلبيات حيث أن سهولة النشر تجعل معظم المواد المنشورة والنصوص الإبداعية أقل من المستوى المطلوب ، بالإضافة إلى انتشار الجريمة الإلكترونية . اقتربنا من بعض المبدعين لنعرف رأيهم في الموضوع فكانت الإجابات الآتية : الكاتب المصري سيد نجم الكتابة على الشاشة أثرت على ملامح الإبداع.. من خلال خاصتين: التفاعلية والانتقائية. وقد مرت الكتابة الالكترونية بعدد من المراحل (أدبيا).. أولها الكتابة على الشاشة كما على الورق، أو حتى نقل ما كتب سلفا على الورق إلى الشاشة لحفظه وربما نقله. ثم جاءت مرحلة "النصوص السمعية" أي لم يعد هناك ضرورة للكتابة.. ثم "النصوص البصرية" التي تعتمد الصورة فقط.. أو النصوص "السمعية البصرية".. مع الخطية أي توافر الكلمة والصورة والصوت معا، بالإضافة إلى تقنيات أخرى أتاحها الحاسوب مثل "اللون" و"الحركة". وهو ما أفرز "الأدب الافتراضي" الجديد، ومنه التفاعلي يشارك فيه المتلقي/القارئ في كتابة النص. وأرى أننا على الطريق، وقد ولدت التقنية الجديدة، بكل ما لها وما عليها، ولن يستطيع أي أحد من منع مغامرة المبدع لإنتاج أدبه الجديد. أما عن ايجابيات التقنية الجديدة والمعطيات الأدبية عنها.. فهي متنوعة وعديدة، منها: سهولة التعامل مع الشاشة والحاسوب،توفير إمكانية النقل السريع والانتشار، إمكانية توفير الإخراج الفني الجميل للنص،التفاعلية وهو ما يبدو جليا في مجال "المقال" حيث يتم التفاعل بين الكاتب والمتلقي فور الانتهاء من النص، وأيضا التفاعل الابداعى (لا يوجد تفاعل ابداعى في العالم العربي حتى الآن)، غزارة المادة المنشور والمخزنة على الشبكة، إبداعيا وغير إبداعية، مما يتيح للمتلقي فرصة الانتقاء.. أما عن السلبيات.. فهي أيضا متعددة، ولا يبقى سوى وعى المتلقي وقدرته على الاختيار. فسهولة النشر تجعل من المواد المنشورة والنصوص الإبداعية أقل من المستوى المطلوب (غالبا).. وعلى المستوى الابداعى، قد يبدو التخيل (الخيال) أقل توظيفا عن الكلمة المكتوبة على ورق، وربما يعوضها مزج كل عناصر (الأنيميشن) والجاذبية إلى النص،سهولة استحضار المواد المخزنة بالحاسوب مع غزارتها تجعل من (سرقتها) إمكانية سهلة وغير ذلك مما يعرف بالجريمة الرقمية. ومع ذلك فإننا في المراحل التوليدية لهذه التقنية الهامة والخطيرة، ولا يبقى سوى التعامل معها، والبحث عن الحلول الممكنة لأي مستجد من المشاكل. الشاعر عبدالعالي مزغيش أتاحت العديد من مواقع الأدب والثقافة والإعلام الفرصة أمام الكثير من المبدعين لنشر كتاباتهم أو أعمالهم بعيدا عن تعقيدات النشر العادي فالعملية لا تكلف كثيرا ولا تتطلب جهدا ولا وقتا مما يخولها لأن تتحول بمرور الوقت إلى ملجأ المبدعين الباحثين عن طرق للنشر تتجاوز معاناة اللهث خلف دور النشر المعهودة التي قد يقف خلفها انتهازيون أو بيروقراطيون،،،كما أن النشر الالكتروني يضمن جرعة زائدة من حرية التعبير لا يمكن مراقبتها على عكس ما تنشره المطبوعات كالكتب والمجلات وحتى الصحف اليومية والأسبوعية وهو أي النشر الالكتروني إن تم عبر مواقع محترمة سيضمن الرد على الأعمال المنشورة فيها من خلال الردود ومن خلال المنتديات التفاعلية التي تحقق نكهة التلاقي بالآخر من أي جنسية كان دون مواعيد سابقة ، فتمنحه فرصة التعرف عليك والتواصل معك دون تكاليف أو تكلف،،، مثلما سيقضي النشر الالكتروني على مشاكل الطباعة الرديئة التي تطال الكتب وأضف اليها مشكل التوزيع الذي يؤرق أغلب الأدباء ويقض مضاجعهم، إن كثيرا من الأسماء استطاعت أن تصنع لنفسها أفقا عربيا من الجزائر بضغطة زر واحدة ،،،فالفضاء الانترناتي فضاء يحتوي الجميع دون إقصاء ،،، وبالتالي لا فرق بين الجهات الأربع فيه ،،،ورغم ذلك فإن من مساوئ النشر الالكتروني السماح بمرور أعمال لا ترقى إلى المستوى المطلوب فكثير من القصائد مثلا نقرأها في بعض المواقع هي أردأ مما نتوقع ،،، لكنها تنشر وربما أعجب بها أصحاب الذوق الردئ،،كما أن النشر الالكتروني قد يصيب البعض من المبتدئين بالغرور بمجرد تجاوز عتبة النشر الأول ،،،ثم أعتقد شخصيا أن قراءة قصيدة في كتاب بين يدي أكثر حميمية ودفئا من قراءتها على صفحات النت فالعملية تشبه إلى حد بعيد الفرق بين وردة حقيقية عطرة وأخرى من البلاستيك لا عطر فيها ،،،على الرغم من جمال مظهرها،،،وفي الأخير لا أعتقد أن النشر الالكتروني سيكون بديلا للنشر العادي على الرغم من توفر الظروف المؤدية إلى ذلك ،، لا لشيء سوى لأن نكهة المطالعة في كتاب لا تضاهيها أي نكهة أخرى وإن وصلت التكنولوجيا أوجها في عالم النشر. الكاتبة هاجر قويدري الحدث هو بروز العالم الافتراضي كمساحة زمانية ومكانية أضحت كما الأرض الجديدة، حيث هرعت إليها رؤوس الأموال والحركة الثقافية والعلمية المعاصرة بل وحتى مظاهر التسلية المختلفة وكذلك الجريمة... هكذا أراد دافييد باترييت تشبيه عالم الانترنت بالأرض الجديدة في مقال له بإحدى الجرائد ، ولعل الانبهار بهذه الأرض في البداية أمر يدفع الإنسان إلى ضرورة اكتشاف أسرارها والانطلاق الحر إلى مختلف مواقعها، إذ يعد الوصول إلى كل ما هو جديد وغير مألوف متعة إنسانية مميزة، غير أنه مع مرور الوقت وانخفاض وطأة الانبهار والرغبة في الاستقرار على هذه الأرض تجعل الإنسان يفكر بشكل مغاير، وتجده يسعى إلى كيفية تنظيمها وخلق قواعد تساعده على التأقلم معها ومع خصوصيتها. والمبدع مثله مثل باقي العاملين في مختلف الحقول المعرفية، تحسس هذه النقلة النوعية التي جرفت قصائد المعلقات من أسواقها العكاظية إلى بروتوكولات التراسل على الشبكة.. كما رصد في البداية دهشة عالم الافتراض في قدرته على البوح عبر الجهات الأربعة... وإزاء هذه المعطيات والتراكمات في بيئة الانترنت..لاسيما الحركة الثقافية التي انتقلت إلى عالم الافتراض هذا أصبح العمل على ضبط طرق النشر الالكتروني للمادة الإبداعية أمر لا مفر منه لدى كل مبدع يريد لعمله الوصول إلى أكبر عدد من القراء. ولكن كيف هو استعداد المبدع التقني...؟؟؟ وما مدى توافق حالته الوجدانية الإبداعية مع تعقيد الآلة؟ أيضا.. كيف هو النشر الالكتروني في الجزائر؟ هل يدرك الناشرون أهمية البناء القاعدي لهذه التقنية وترتيب مستقبلها أمام مختلف مشاكل الإصدارات الورقية؟ الأديبة والإعلامية زهرة بوسكين الأدب الإلكتروني هذا النمط الجديد من الإبداع المواكب للتكنولوجيا والحضارة استطاع أن يكسر العديد من الحواجز ويختصر العالم الأدبي ملغيا الحدود الجغرافية والعديد من الحواجز الزائفة.. ففي زمن مضى وبعيدا عن التكنولوجيا كانت هناك أزمات عديدة في الوسط الأدبي، كأزمة النشر مثلا وأزمة الإتصال والتواصل بين الأدباء التي تتم عن طريق الرسائل العادية وفي إطار ضيق كما أن الإطلاع على الجديد العربي ومواكبته لم يكن متاحا خاصة بعد حضر دخول الجرائد والمجلات العربية المتخصصة وغير المتخصصة والقليل منها مايدخل عن طريق الطراباندو، ولكن مع الثورة الرقمية والإبحار عبر النت استطاع الأدب الجزائري أن يضيف خطوات أخرى في مسيرته وتوسعت شبكة اتصال كل الأدباء، طبعا ماعدا الذين لا يتقنون لغة الحضارة وهذا يعاب عليهم. فالرقمنة مكنتنا من تبادل الأفكار والنصوص والجديد مع أدباء من الوطن العربي ومن مختلف أنحاء العالم كما مكنتنا من النشر عبر منابر عربية وعالمية والتعامل مع وسائل إعلام من مختلف الدول وهي تجربة مفيدة جدا. النص الرقمي لايحل محل النص الكلاسيكي بل هو مكمل له لأن النص الكلاسيكي يقرأ على نطاق ضيق وأحيانا لا يقرأ لكن النص الرقمي مجاله أوسع وبمجرد النشر تتلقى ردودا من قراء وكتاب من محتلف أنحاء العالم وهذا جد ايجابي ويجعل المبدع يتحمل مسؤوليته في الكتابة أكثر لكن بالمقابل يجب اختيار المنابر المتميزة والمحترمة والمتخصصة للنشر. الرقمنة جعلت التبادل الثقافي سهل وسريع وأكثر جدوى من الطرق الكلاسيكية في النشر التي غالبا ما تسيرها أساليب غير ثقافية كالمحاباة والتوجهات الإيديولوجية و...و...و...لكن اليوم لايمكن أن نتحدث عن أزمة نشر أو أزمة قراءة لأن كل النصوص الجيدة يمكن نشرها على أعلى مستوى (وأنا لاأعيب هنا مستوى منابرنا فعندنا صفحات لها حضورها وتميزها كأصوات أدبية واليوم الأدبي)..ولكن بالمقابل أعيب أمية العديد من الأقلام التي لا تزال بعيدة عن الرقمنة وعلى التعامل الإلكتروني مع وسائل إعلام عربية ودولية لأنها تضيع الكثير من الفرص وتبقى في إطارها الضيق جدا والذي سيخلق لها حالات اختناق مع مرور الوقت فخريطة العالم الواسعة يختصرها زر صغير. وطبعا للنشر الإلكتروني أيضا سلبياته ككل الأمور لكن إذا تعاملنا معه بعقلنة نستطيع الاستفادة من ايجابياته الكثيرة.