للضحك ألوان·· ضحك أبيض ناصع كضحك الأطفال، وضحك أحمر فاقع كضحك الفتيات الغوانج، وضحك أصفر ماكر كضحك المنافقين، وضحك أسود قاتم كضحك الساخرين· وهناك ضحك بلا لون ولا طعم كضحك الحاج لخضر وأهل سوقه، على ذقون الجزائريين· بقدر ما ''يُغيظني'' الحاج لخضر في سوقه وعمارته، بقدر ما ''يغيضني'' (بالمفهوم الدارج) المشاهد الجزائري، الذي نُهبت بسمته من طرف ''بقّارة الضحك'' الذين استولوا على كعكة البرمجة في شارع الشهداء، وحوّلوا الصراخ والنهيق والتنطيط والسباب إلى فكاهة··!! لكن، أحيانا أقول في نفسي إن لخضر بوخرص وأمثاله، ليسوا بالغباء الذي نتصوّرهم به، بل هم أناس فهموا جيدا عقلية الفرد الجزائري، الذي يتلذذ بالسخرية على غيره لكي يقنع نفسه بأنه أحسن منه، على مقاس مقولة أرسطو ''نحن نضحك على من هم أقل منا عقلا وعلى القبيحين من الأشخاص، والفرح يأتينا من الشعور بأننا طبقة أعلى منهم''· ما ذهب إليه الفيلسوف اليوناني أرسطو، قبل 2300 سنة من أيام الحاج لخضر، زاد اقتناعي بأنه ينطبع على العقلية الجزائرية بامتياز، بعد أن قرأت أول أمس، خبرا في الصفحة الأخيرة من إحدى الجرائد اليومية، بعنوان ''المخرج جعفر قاسم متهم بممارسة الجهوية في التلفزيون'' وذهبت عبقرية صاحب المقال إلى التحدّث باسم ''ناس الغرب'' الذين انتقدوا - حسب قوله - سلسلة جمعي فاميلي، وبالتحديد شخصية ''قادة'' البخيل والبيّاع، واعتبروها مساسا ب''جهويّتهم''··!! حسب نظريّتهم المازوشيّة هذه، أصبح لزاما على العاصميين مثلا، أن يلعنوا رويشد، الفومي والحركي والبيّاع في فيلم الأفيون والعصا، كما بات من واجب أهل كفر شلشلمون في محافظة الشرقية المصرية، أن يبنوا مزارا أو قبّة للفنان المرحوم عبد الله غيث، تبركا به لأنه جسّد في فيلم الرسالة دور حمزة، عم الرسول عليه الصلاة والسلام· وعلى الإيطاليين إذن، أن يقتلوا النجم ''آل باتشينو'' لأنه جسّد دور الشيطان في الفيلم الأمريكي ''شريك الشيطان''، والأمثلة على ذلك لا تحصى·· صاحب المقال والجماعة التي اشتكت إليه، لم يهضموا احترافية مخرج السلسلة وقدرته على خلق فرق المتعة في زمن الحاج لخضر، وذهبوا يفتّشون في السلسلة الناجحة بكل المقاييس، المحافظة على ماء وجه العقل الجزائري، ذهبوا يفتّشون عن ثقب إبرة يرون من خلاله صفتهم الأرسطيّة· على كلّ، هي قضية أذواق، فمن شاء دخل سوق بوخرص ومن شاء طار في فضاء جعفر قاسم··