من بين كل الشهادات التي جاءت على ألسنة الوزراء والمسؤولين والمناضلين في صفوف جمعيات حقوق الإنسان نعتقد بأن جملة عنوان تحقيقنا المترجمة إلى الفرنسية تغنينا عن كل ما يمكن أن يقال عن فرضية عدم عنصرية بريس هورتفو، وزير داخلية حكومة فرنسوا فييو وصديق نيكولا ساركوزي منذ ثلاثين عاما، اللّهم إلا إذا اعتبرنا الشهادة الجديدة الطازجة لأوليفييه براشي مدير ''فوروم اللاجئين'' تفنيدا متأخرا لكن مقبولا، لأنه يرادف معنى التوبة وحسب براشي فإن ''هورتفو ليس عنصريا أو لم يعد عنصريا بالتحديد''· باريس: بوعلام رمضاني مهما يكن من أمر ضجة تصريح وزير الداخلية في مخيم حزبه الصيفي في جامعة سينيوس، يوم الخامس سبتمبر (انظر ''الفجر'' بتاريخ 12 من الشهر الجاري)، ما زالت تخيم بظلالها على المشهد السياسي والإعلامي إلى حد لحظة تحرير هذا التحقيق، وبقاق الذي اتصل بي ردا على رسالتي الهاتفية، وأنا بصدد الكتابة، سيكون ضيف ''الفجر'' بعد عودته من برلين، حيث يحضر معرض الكتاب· الشهادة ''القاتلة'' المذكورة على لسان بقاق الوزير المنتدب السابق لترقية مساواة الحظوظ في حكومة دوفيلبان والأديب الروائي والسوسيولوجي المعروف وصاحب كتاب ''شاة في الحمام'' الذي ذكر فيه بأن ''ساركوزي شتمه على المباشر وعلى الهاتف المحمول''، وأن ''بريس هورتفو خاطبه بأسلوب استعماري''، ليست هي الشهادة الوحيدة التي تصب في مجرى المقتنعين بأن كلام ''هورتفو عنصري الخلفية والبعد والجوهر''، ذلك لأن مبرر روح فكاهته الذي يشهره أنصاره، دفاعا عنه، هو نفسه المبرر الذي عكس نزعته العنصرية المبطّنة، حينما توجه بالكلام إلى فضيلة عمارة الوزيرة المكلفة بالمدن، والجزائرية الأصل هي الأخرى يوم الخامس عشر جانفي الماضي أمام الصحفيين في حفل تمرير السلطة· ويومها قال مازحا عن المرأة التي تدافع عليه اليوم بعد أن أصبحت ساركوزية ''فضيلة عمارة مواطنة مثلي لكن أؤكد أن الآمر ليس بديهيا بالضرورة''· خلافا لفضيلة المسؤولة اليسارية، أو كما تدعى في حكومة ساركوزي اليمينية صاحبة نظرية الاستعمار الإيجابي في الجزائر وفي المستعمرات القديمة، رشيدة داتي وزيرة الأختام السابقة والنائبة الأوروبية اليوم، والجزائرية والمغربية الأصل، لم تلبس القفازات مثلما يقول الفرنسيون، وسبق أن صرحت أكثر من مرة -حسب صحيفة ''لو كانار أونشيني'' الساخرة- بأن ''بريس هورتوفو عنصري كبير''· وقالت رشيدة داتي هذا الكلام في سياق حقيقة الخلافات التي كانت قائمة بينهما في الحكومة السابقة، أي في الفترة التي كانت هي وزيرة الأختام وبريس وزيرا للداخلية وقبل تسلّمه وزارة العمل لفترة قصيرة وعودته الجديدة إلى وزارة الداخلية، بعد أن عيّن إيريك بيسون الاشتراكي السابق على رأس وزارة تحمل تسمية جديدة تتضمن عبارات الهوية الوطنية، الأمر الذي يتناقض -حسب الرافضين لها - مع ماهية الجمهورية· راما ياد الوزيرة المنتدبة لحقوق الإنسان ووزيرة الرياضة السابقة، السينغالية الأصل، والمرأة المتمردة على آل ساركوزي التي دفعت ثمن تحررها وكبريائها، ذاقت هي الأخرى من ''كوكتيل بريس هورتفو'' الخليط من الفكاهة والدعابة والتضمين المسموم والعنصرية المهذبة، وكانت المناسبة في شهر مارس الماضي أثناء جلوسها إلى جانب الرئيس ساركوزي وصديقه الأشقر في الطائرة التي كانت تقلهم إلى إفريقيا، عندما قال لها ''جئت معنا، وهذا أمر جيد لكن يمكن لك البقاء هناك وعدم العودة''· (دون تعليق)· في محصلة التحليل السيميولوجي أو السيميائي الذي يمكن أن يساعدنا على فهم سيكولوجية وتكتيك ''الفكاهة الهورتوفية'' يمكننا القول بأن الوزير الأكثر قربا من الرئيس ساركوزي لا يتردد في كل مرة من التندُّر مع الوزراء العرب والأفارقة الأصل، أو عرب أفارقة الخدمة بمن فيهم بقاق الجزائري الذي نعتقد بأنه أخطأ حينما اعتقد أن ''اليمين أخفّ وأقلّ نفاقا من اليسار الاشتراكي''، الذي خذله من قبل، كما سنرى معه في الحديث الذي وعدنا به· بريس هورتفو الذي يحظى بتأييد كل وزراء الحكومة بدعم ورعاية وتوجيه من الرئيس ساركوزي فاز، أمس الأول، بشهادة إحدى أشهر الشخصيات السياسية والثقافية اليسارية الوفية للرئيس الراحل فرنسوا ميتران، ويتعلق الأمر ب''جاك لانغ'' وزير الثقافة السابق والنائب الاشتراكي عن منطقة با دوكاليه الشمالية· ففي حديث لصحيفة ''لو باريزيان'' الشعبية الواسعة الانتشار لم يتردد لانغ، أول أمس، في الدفاع عن الوزير الساركوزي دون لف أو دوران بقوله حرفيا ''إني أعرفه منذ عدة أعوام كرجل أمين· وإذا كنت اختلف معه في السياسة التي قادها في موضوع الهجرة، فإنني لا أخفي تعاطفي الشخصي معه لأنه لم يعبّر كما أعرف عن نزعة عنصرية ما، والقضية التي تحوّلت إلى ضجة هي مفبركة وتم تأويلها بشكل خاطئ''· نورة براح الجزائرية الأصل المولودة في ليون والساركوزية الجديدة منذ جوان الماضي إثر تعيينها سكرتيرة دولة للمسنين في سياق تعميق مسار التنويع العرقي الذي لم يقم به اليسار الاشتراكي، دعمت فضيلة عمارة بقولها بأن ''الضجة مجرد مناورة سياسوية، قام بها اليسار'' قبل أن تضيف واضعة القضية في سياق أخلاقي بقولها ''في شهر رمضان ···من غير المعقول أن تثار بهذا الشكل، وفاعلها ليس مسؤولا لأنه يغذي الأحقاد''· صحفيا·· إذا كانت صحف اليسار (لومانيتي''، و''ليبراسيون'' و''لوموند'') قد أدانت بريس هورتفو واعتبرت قوله المشير إلى الشبان العرب في سياق حديث مناضلة في صفوف اتحاد الأغلبية الشعبية الساركوزي عن أمين، الشاب العربي، الذي ''يأكل الخنزير ويشرب الجعّة، تعبيرا عنصريا''، فإن صحيفة ''شارلي إيبدو'' الأسبوعية الساخرة قد تزعّمت أنصار الموقّعين على عريضة يطالبون فيها باستقالة وزير الداخلية بريس هورتفو، الشيء الذي رفضه في حديث أدلى به لصحيفة ليبراسيون· وحسب الوزير المتهم فإن ''الاستقالة أو الاعتذار أمر غير وارد لأنه لا يمكن القيام بالفعل الأول أو الثاني ما دمت لم أخطئ ولم أقصد بقولي، الذي أصبح مثار جدل مجاني، جالية مهاجرة معينة'' على حد تعبيره· وإلى جانب الضغط السياسي الكبير الذي يمارسه اليسار المعارض الذي وجد في زلة الوزير المتهم فرصة ذهبية للانقضاض عليه، فإن ضغط جمعيات حقوق الإنسان مرشح للتنامي، وهي مصرّة على الاستماع إلى شروحات وافية من بريس هورتفو· رئيس رابطة حقوق الإنسان، جون بيار دوبوا، تعجّب لعبارات الوزير الذي ''مارس العنصرية -في تقديره- بعد أن أحال على التقاعد الإجباري المحافظ بول جيرو لاغلاد، بعد الدعوة التي رفعتها ضده عون أمن في مطار أورلي قبل أيام بعد أن سمعت المحافظ يقول: ''نعتقد أننا في إفريقيا''، وقصد بذلك كثرة أعوان الأمن من السود أو العرب· والطريف في موضوع المحافظ الذي قرّر متابعة وزارة الداخلية قضائيا أنه أنكر هو الآخر قوله ووجد في قول الوزير الذي عاقبه دليلا على عنصريته، وراح إلى حد السخرية منه بقوله لإذاعة ''آر تي آل'' الأشهر في فرنسا ''بأني لا أعرف من منا العنصري وسأعمل المستحيل حتى يلتحق بي وإذا تطلّب الأمر فسأذهب إلى المحكمة الأوروبية''· في إذاعة ''آر تي آل'' نفسها علّق الكاتب والإعلامي الكبير آلان دوهامل على الضجة التي ما زالت تهز فرنسا بأنها ضربة موجعة لصديق ساركوزي بغض النظر عن من قصد بقوله ''لا بأس عندما يتعلق الأمر بواحد وتبدأ المشاكل حينما يكثر عددهم''، ووزير بمثل حجمه يجب أن يزن كلامه في كل الأحوال· وحسب آخر الأخبار التي وصلتنا، فإن ساركوزي، الذي قال بأن ''الوقت لا يسمح له بالتعليق على الضجة''، مستاء ومتضايق من وزير داخليته، وعليه فإن كبوة صديق العمر تعد ضربة سياسية ومعنوية لحاميه وراعيه، خاصة منذ أن أوكلت له مهمة طرد أكبر عدد ممكن من الحرافة، وهذا ما نجح فيه فعلا بريس هورتفو· فهل سيشفع له هذا الإنجاز التاريخي أم أنه سيدفع الثمن عن ''زلة لسانه الفكاهية'' كما قالت فضيلة، محاميته التي قصدها بمزحة عنصرية لبقة رفضت الاعتراف والإفصاح عنها بعد أن ركبت موجة الساركوزية واستمرارها في الادعاء بأنها ما زالت يسارية لا تصوّت على مسؤولها الأول والأخير·