اليوم ··لا يظهر على شاشات التلفزيون محمد أركون ويوسف صديق وإريك رولو واوليفييه روا و فرنسوا بورغا وبول بالطا والمفكرون الآخرون المتخصصون في الفكر الإسلامي أو في الإسلام السياسي - كما يقال هنا في باريس - بالقدر الذي يظهر به النجم الصاعد سيفاوي· تحول سيفاوي إلى مرجعية إعلامية تخدم وتكرس أصحاب دكاكين الأفكار المسبقة والجاهزة، وتؤكد صحة مقولة ''المثقفين الاعلاميين والتلفزيونيين الذين يتناولون قضايا حساسة بروح استهلاكية ومختزلة وسطحية خلافا لأصحاب المقاربة الإيدولوجية الشائكة والمعقدة والمتداخلة الجوانب، كما تجسد في فكر برتران بادي زميل جيل كيبال ونقيضه، كمحلل لقضايا الصراعات الدولية، وعلى رأسها الصراع العربي الاسرائيلي وأشكال الإرهاب العالمي· في كتابه الجديد- بن لادن على المكشوف - الصادر عن دار مغمورة في مائة صفحة في شكل أشرطة مرسومة يستهدف الكبار والصغار من القراء·· عاد سيفاوي إلى موضوعه المحبب إلى جانب الرسام فيليب بركوفيسي· هذه المرة خرج عن الكتابة الكلاسيكية الجادة التي تتطلب وعيا فكريا متقدما، واختار نوع وتكتيك الاشرطة المرسومة التي أضحت مقروءة على أوسع نطاق سوسيولوجي، حسب الكثير من المتخصصين في رصد تطورات النشر بوجه عام· وعوض التركيز أساسا على بن لادن قائد الارهاب العالمي، استنادا لما جاء في الصور المرسومة والتعاليق المرفقة والمزاوجة بين الفكاهة كخاصية لصيقة بالأشرطة المرسومة والجدية التي تفرضها طبيعة الموضوع ·· راح سيفاوي يكرر حقائق معروفة لدى العام والخاص في قالب خلط غير بريء بين أفكار ومواقف بن لادن والمسلمين غير الارهابيين الذين يؤمنون، مثله، بكثير من القواعد الإسلامية التي لا ترتبط حتما بالإرهاب أو التطرف كالإيمان بمنافع الجنة المختلفة وارتداء الحجاب والتردد على المساجد، وإلى غير ذلك من الممارسات الدينية الكثيرة التي يطبقها عدد كبير من المسلمين غير المتطرفين بالضرورة والمعادين في كثير من الأحيان لأسلوب بن لادن والمؤيدين له خفية، كما تبزره مئات المواقع الالكترونية · بنفس أسلوب صحيفة ''شارلي إبدو'' التي أعادت نشر الرسومات المشينة عن الرسول صلى الله عليه وسلم·· لم يتردد سيفاوي في الخلط بين السخرية من بن لادن الإرهابي المؤمن بأن مكانته مضمونة في الجنة وبين مسائل دينية وفقهية عامة تعكس إيمان المسلمين غير الارهابيين، كنظرتهم للمرأة، وهي نفس النظرة التي تعرفها أديان أخرى باساليب مختلفة· ومن خلال هذا الأسلوب ليس من السهل على القراء غير الناضجين فكريا من محبي الأشرطة المرسومة التفرقة بين بن لادن الإرهابي وبين المؤمنين بقواعد الاسلام، كدين غير مرادف للإرهاب والتزمت والتطرف، كما يمكن أن يفهم من كتاب محمد سيفاوي، علما أن تصوير بن لادن انطلاقا من فهمه الديني الخاص للإسلام يخرجنا عن سياق الحرب الإيديولوجية التي تشنها جهات غربية صهيونية متطرفة ضد المسلمين والعرب غير الملتزمين دينيا والمعتدلين والسائرين في ركبها، وسيفاوي الذي يعيش في فرنسا والغيور على حقوق الإنسان من حقه إدانة بن لادن على طريقته باسم حرية التعبير، لكن من واجبه الأخلاقي والفكري أن يندد بتطرف الغربيين الذين قطعوا الطريق على فاروق حسني في اليونسكو، وعلى المسلمين المسالمين الذين يخدمون الغرب بأفكارهم وقدراتهم لكنهم يعانون من عنصرية وسخرية الكثير من المثقفين، وذلك ما فعله الروائيان ميشال أولبيك وموريس دانتيك والصحفية الإيطالية التي شبهت المسلمين بالفئران·· من حق محمد سيفاوي السخرية من بن لادن، الذي لا يمثل كل المسلمين، كما يعرف في كتاب للاشرطة المصورة، وندعوه أن يسخر في كتاب آخر من شارون وإيهود باراك ومن الصهاينة المتطرفين والمتزمتين، ويوظف مثلا تحقيق الصحفي السويدي المهدد الذي كشف عن متاجرتهم بأعضاء الفلسطنيين· سيفاوي برر أسلوب الأشرطة المصورة أو المرسومة بتأثيرها النفسي على القراء الشبان والصغار، وأكد أن السخرية من الإسلاميين الإرهابيين من أمثال بن لادن تعد سلاحا لفضحهم على أوسع نطاق، فليفعل ذلك مع قتلة النساء والأطفال في غزة والمطاردين لأول مرة من عدالة المجتمع الدولي· شيش يا سيفاوي الديمقراطي المعارض لإرهاب معين بشكل غير بريء·· ولتدافع في كتاب كاريكاتيري آخر عن ديودونيه الذي منعه برنار هنري ليفي أن يسخر من تطرف الصهاينة النازي، ولتتخصص في السخرية من كل أنواع الإرهاب والتزمت التي تمارس باسم إيديولوجية الإرهاب الأمريكي على حد وصف ناعوم شومسكي اليهودي المعرض لإرهاب إسرائيل·