كان هذا قبل سنوات، وربما اليوم ليست تستطيع أية جريدة إلزام صحفييها تقديم البراهين المادية على صدق الحوار أو تزعمه ذلك أن الجواب المحتمل هو ''راني درت الحوار بالأنترنت''· أجدني منتشية كلما قرأت الحوارات التي جمعتها لمحمود درويش من الأنترنت ذات حزن، لاسيما حواره الأخير مع حسن نجمي في المغرب وفيه يقول: ''أحب أن أقول إنني أجد صعوبة وأبذل جهدا كبيرا في الحوار، لأن الحوار في جوهره كتابة شفوية وليس مجرد جلوس وكلام كما يبدو لكثير من الصحافيين المستعجلين'' وأجدني هذه المرة صاغية منتبهة لدرس يخص فنيات التحرير وبالضبط ''الحوار الصحفي'' الذي طالما اعتبرته من أسهل الأمور التي يمكن أن يكلف بها الصحفي فهو ينقل ما يقوله المحاور وفقط، خاصة مع أجهزة تكنولوجية رقمية تساعد على حبس الهمس· ولكنه محمود درويش يواصل: ''إنني أعتبر أن الحوار يستحق من الجهد ما تستحقه الكتابة، وقد أجد أحيانا أن الكتابة أسهل من الحوار· فأنت في الكتابة تكون رقيب نفسك، ومن حقك أن تمحو، وأن تصحح، وأن تنقح· أما في الحوار الشفاهي، فالكلمة حين تنطلق لا تستطيع أن تستعيدها أو تستدركها أو تعدلها، خصوصا حين تتحدث تحت ضغط عواطف معينة''. وهنا يدرك جيدا محمود درويش خطورة نقل الأجوبة، فليس كل صحفي بالضرورة ناقل أمين للشفاهية المربوطة بوقت معين ومزاجية عاطفية لحظية، وليس كل صحفي يملك قدرة التحوير وترصيف الكلمات بما يتوافق صيغة المكتوب، لذا من حق كل كاتب أن لا يثق بمحاوره خاصة وأن الحوار صورة حركية للكاتب أو الشاعر تشكل جس نبض عن مدى ثقافة الكاتب وشخصيته بعيداً عن إبداعه·· أما عبر الأنترنت فالحوار احتمال حذف وتعديل لأن الأسئلة ترسل قبل وقت والأجوبة تتشكل بهدوء، ولا خطر يداهم صورة الكاتب أثناء المشافهة المقرونة بوقع العواطف اللحظية·· على الأنترنت لقاء افتراضي كتابي لا تتدخل فيه أسئلة الموقف أو المقاطعات، هو حوار رتيب يفرج عن المسافة ولا يفرج عن البوح، لأن درويش يقول الحوارات الجيدة هي تلك التي يرتقي فيها الحوار إلى مستوى البوح، وتنسى فيها أنك في حوار مسجل· * نسبة إلى لوحة المفاتيح في الحاسوب بقلم / هاجر قويدري