سيظل رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير. موضع اهتمام الدوائر الثقافية العربية الخاصة منها والعامة، فمكانة محمود درويش الشعرية تجاوزت كونه شاعر القضية الفلسطينية، إلى كونه شاعرا للألم الإنساني بمعناه العميق، وأحد الضمائر الكبرى في التاريخ الإبداعي بمفهومه الإنساني الواسع... في عددها الصادر هذا الاسبوع، احتفت أسبوعية "أخبار الأدب"، التي تصدر عن مؤسسة الأخبار، بالشاعر الراحل محمود درويش وكرست له العدد بكامله، وتعهد رئيس تحريرها الروائي والكاتب جمال الغيطاني، بوجود دائم لمحمود درويش في جريدته طالما بقي رئيسا لتحريرها. ... وقال في مقاله الافتتاحي الذي احتل الصفحتين الثانية والثالثة: » قرأت كتابه "في حضرة الغياب"، هذا النص الذي يمسك بناصيتي الشعر والنثر، وهو ليس إلا أنشودة رحيل مؤلمة، مرثية للذات واحتفاء بالأبدية، قرأته مرات وتمنيت أن أحفظه عن ظهر قلب، إنه يؤسس لفقه الفراق، فراق الذات للذات، فراق الأصل للظل، فراق المحسوس إلى اللا محسوس، ما يمكن تحديده الى ما لا يمكن تحديده أو تعيينه، في هذا النص النادر يلقي الأضواء الخفيتة، على خباياه التي لم يدركها أحد، حتى إبداعه للشعر، فيه وجدت تفصيلا لجملة قالها لي مرة، أنه اعتاد أن يفتح القاموس عند بدء نشاطه اليومي، لسان العرب لابن منظور، يفتح على أي صفحة، يتوقف أمام كلمة معينة، يقرأ ما أورده المؤلف عنها، أذكر أنه قال معلقا باختصار، هذه علاقتي بالتراث!!«. ثم يردف جمال الغيطاني قائلا عن علاقته الشخصية بمحمود درويش: » كنت بعيدا وكان بعيدا، وكانت لقاءاتنا مثل لقاء القطارات التي تعبر بعضها بسرعة، غير أنني قرأت نصوصه جيدا، وتمثلتها، وقرأ نصوصي أيضا، آخر ما قرأه "نثار المحو" الدفتر الخامس من دفاتر التدوين، حدثني عنه، لكنني لا أظن أنه قرأ الدفتر السادس "الرن"، وقد خجلت في آخر اتصال أن استفسر عما إذا كان وصله بالبريد أم لا؟ تعارفنا عبر النصوص وهذا أصدق ما سيتبقى منا، فالكاتب أولا وأخيرا ماثل في نصه، أما الوجود المحدود فيمضي، غير أنني في العلاقة الشخصية الشاحبة أحببته، وقدرته، وأصغيت إليه جيدا، ولاحظته بدقة، أذكر أننا عندما سافرنا من بوردو إلى باريس لاحظت أنه لا يحمل إلا حقيبة يد مما يصعد به الراكب الى الطائرة، فقط ليس غير، ورغم وسامته وأناقته، إلا أنني لم أره إلا عبر لونين، الجاكت الأزرق والبنطلون الرمادي، يقول البعض انه كان حادا، وأحيانا جارحا، وفي تقديري أن هذا نوع من الدفاع عن الذات في مواجهة الخشونة والغلاسة، هكذا رأيت أمل دنقل الذي أعتبره من أرق الذين التقيت بهم رغم ما أشيع عن خشونته«. ويختتم الغيطاني مقاله الافتتاحي بالقول المزدحم بالتساؤل: » هل تكتسب النصوص قيمة إضافية في حالة اكتمال أصحابها وخروجهم إلى النهار؟ بالتأكيد، يصبح للنص حياة قائمة بذاته، منفصل عن صاحبه، أقرأ بدهشة وإعجاب، وأسى، أما الدهشة فلأنني لم أنتبه كفاية إلى أن محمود يحتضر منذ زمن ليس بالهين، عاش موته قبل موته، أما الإعجاب فمصدره رفعة النصوص، أما الأسى، فمصدره الفراق، وقد توقفت طويلا أمام الفصل الذي خصصه للحنين في "حضرة الغياب، لقد أسس به لفقه الفراق الإنساني، فكل منا مفارق، مفارق«. تضمن العدد أيضا عددا من التقارير، كما نشر العدد مقالا للشاعر الجنوب إفريقي المرشح لجائزة نوبل "برايتن براتينباخ" وقد ترجمه مجدي عبدالمحسن خاطر، يقول الشاعر الجنوب إفريقي: » لقد رحل محمود درويش، وانتهى المنفى، ولن يعيش حتى يرى نهاية لمعاناة شعبه«. أيضا نشر العدد مقالا مطولا للدكتور فيصل دراج الناقد المعروف تحت عنوان "اللقاء الأخير مع محمود درويش"، حيث يتناول فيه آخر جلساتهما قبل السفر إلى هيوستن لإجراء الجراحة المميتة، كما كتب الشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح مقالا تحت عنوان "غيابه" معبر للخلود، وكتبت الشاعرة لينا الطيبي تحت عنوان "غارت السماء من زرقتك، فآوتك زرقتها"، حيث قالت » كنت انتظرك على شرفة البيت في بيروت مقابل جامعة بيروت العربية، كان عمري 15 سنة...«. كذلك نشر العدد حوارا مع الإذاعي نبيل درويش أحد الأصدقاء المقربين من محمود درويش، وكذا حوارا مع الدكتور جابر عصفور، ومقالا للناقد السوري المقيم بباريس صبحي حديدي، وهو المقال الذي يحمل عنوان "عائد إلى الجليل". أما الشاعر خيري منصور فكتب كلمة تحت عنوان "أصابعه نايات وموته قيامة" وللشاعر الليبي الأمريكي خالد المطاوع.... وتحت عنوان "معلقة من زماننا"، قدم عدد أخبار الأدب النص الكامل لقصيدة جدارية لمحمود درويش واحتلت ثماني صفحات كاملة.. كذلك نشر العدد أول حوار يجرى مع الشاعر الراحل في مجلة عربية "الطريق "1968.. كما ترجمت شيرين عصمت الحوار الأخير لمحمود درويش لجريدة الباييس الإسبانية تحت عنوان "الموت أفضل من حياة الاحتلال". وكتب الدكتور صبري حافظ مقالا مطولا تحت عنوان "في قلب العالم، وضم العدد تقريرا عن وداع أدباء إسرائيل لمحمود درويش تحت عنوان "وداعا، عدونا الذي نحترمه"، بالإضافة إلى مقال نادر للناقد الراحل رجاء النقاش كان قد نشره في مجلة المصور في 22 ديسمبر 1967 تحت عنوان "مطلوب محاولة عالمية، لإنقاذ هذا الشاعر". وتضمن العدد كذلك نص المقال الشهير الذي كتبه محمود درويش تحت عنوان "انقذونا من هذا الحب القاسي".