الكرة تدحرجت للسياسة، لأن السياسة ضعيفة الأداء في البلدين الجزائر ومصر·· والسياسة تدحرجت نحو الكرة لأن أداء الكرة في البلدين ضعيف بالنظر إلى حجم البلدين في محيطهما الإقليمي والقاري! صحافيو السياسة في البلدين معذورون حين تركوا الحديث عن السياسة وذهبوا للحديث عن الكرة·· لأن الحديث عن السياسة بالسياسة معرة وقلة أدب ومساس بالمصالح العليا لهذا البلد أو ذاك·· أو لنقل هو صيد في المياه العكرة للسلطة·· ينبغي أن يقمع بما هو مطلوب من العقاب! وصحافيو الرياضة لم يجدوا الرياضة للحديث فيها فراحوا يتحدثون عن السياسة المكورة بلغة الحرب في بلدين ينتميان إلى أمة تُشن عليها الحروب في أكثر من مكان، وهي تدعو للسلام والاستسلام غير المشرف ولا تتحرج·· أمة عاجزة عن شن الحروب ضد الحروب الحقيقية فتقوم بشن الحروب الكروية للتنفيس عن الكبت الشعبي الذي تعيشه الأمة جراء التجرع المرّ للحروب وهي تدعو للاستسلام باسم السلام! نعم عندما نعجز عن محاربة أعدائنا في الحروب الحقيقية نلجأ إلى محاربة أنفسنا بالحروب الكروية! بالأمس فقط التقيت مع مجموعة من الصحافيين المصريين جاءوا لتقصي الحقائق حول الأخوة المصرية الجزائرية التي خدشتها حروب الكرة في المدة الأخيرة! وقرأت في عيونهم أشياء لم يفصحوا عنها، أو أن الحروب الكروية البائسة لم تسمح لهم بقول أي شيء عن هذه الأمور! وأنا بدوري قمعت نفسي ولم أستطع أن أتحدث للأشقاء الصحافيين المصريين بقلب مفتوح! كنت أتمنى أن أقول لهم بكل أخوة: لماذا لا نستبدل الحروب الكروية بين مصر والجزائر بالحروب ضد الفساد في البلدين، فيتحدث المصريون بشجاعة عن الفساد في الجزائر، ونتحدث نحن أيضا بشجاعة عن الفساد في مصر؟! ونكسر بذلك قاعدة السكوت المتبادل بين المفسدين في البلدين! كم كنت أتمنى لو زرارنا الصحافيون المصريون الأشقاء في إطار آخر غير إطار الحروب الكروية الزائفة! ألا تستحق الجزائر، الورشة في البناء، وقفة بعين فاحصة غير عين الصحافة الجزائرية في مسائل السياسة والتسيير للشأن العام؟! ماذا لو سلّط الصحافيون المصريون تجربتهم في مكافحة الفساد على تجربة البناء في الجزائر·· وسلط الجزائريون تجربتهم على تجربة البناء في مصر؟! أليس هذا أفضل للبلدين من حر وب الجلد المنفوخ؟! هزيمة الجزائر من طرف مصر في الكرة لا تجعل الصحراء الجزائرية تنضب من الغاز والبترول! وهزيمة مصر من طرف الجزائر في الكرة لا تجعل نهر النيل يجف، بينما أخطار الفساد في تسيير الشأن العام في البلدين يمكن أن تلحق الأضرار بالبلدين بما هو أكبر من هذا! هل معنى هذا أن الصحافة والصحافيين قد حادوا عن الأداء الجيد لرسالتهم النبيلة؟! بالتأكيد هذا هو الحاصل بالنظر إلى هذا الإنحراف الحاصل في موضوع من المفروض أن يكون متعة وليس مأساة·· كما هو حاصل الآن! كم تمنيت أن أقول للأشقاء المصريين الذين جاءوا لتهدئة الأجواء في الجزائر: رسالتكم النبيلة هي تهدئة الأجواء في مصر الشقيقة وليس في الجزائر·· لأن الهيجان الذي قد يحدث في الجزائر أثناء المقابلة أو قبلها لن يؤثر على سير المقابلة، بينما الهيجان في مصر أثناء المقابلة هو الذي يؤثر على هذه المقابلة ويفرغها من طابعها الممتع ويحولها لا قدّر الله إلى مأساة! و منع ذلك هو رسالتكم أنتم نحو شعبكم مثلما هي رسالتنا أيضا! وعندما نعرف بأن مصر لعبت مع دول إفريقية أخرى ولم تكن لها أي مشكلة، بينما تحدث مثل هذه المشاكل عندما يتقابل البلدان·· فهذا يعني بالتأكيد أن هناك خللا في الأداء الإعلامي لإعلاميي البلدين! ويجب أن تكون للبلدين الشجاعة الكاملة لتشخيص الأسباب الحقيقية وليست المفتعلة التي أدت إلى هذا التشنج· وعلينا أن نجيب بشجاعة عن السؤال: أين هو الخلل في علاقة البلدين؟! هل الخلل يكمن في العلاقات السياسية والدبلوماسية ووسائل ممارستها؟! أم يكمن في العلاقات الإعلامية وأساليب ممارستها؟! أم يكمن هذا الخلل في التركيبة النفسية لكل شعب من شعبي البلدين نحو الشعب الآخر؟! ينبغي أن نعترف بشجاعة أن هناك مشكلة في علاقة البلدين ببعهضما، وليست الكرة وخلافاتها ومشاحناتها إلا السبب المباشر في هذه المشكلة! وينبغي أن نجعل من حادثة أزمة الكرة بين البلدين أرضية حقيقية لمراجعة كل بلد لنفسه في علاقاته مع البلد الآخر·· وأعتقد أن تغطية ما حصل وما يحصل بسبب مباراة لكرة القدم بالمراهم الناعمة التي يكتبها الإعلاميون ويصرح بها السياسيون في البلدين، يمكن أن تخفي المشكلة إلى حين ولكنها لا تعالج أبدا هذا الوضع الشاذ من جذوره·· والحل هو معالجة أسبابه وليس نتائجه!