ذهبت للسودان لتشجيع المنتخب القومي بين 11 ألف مصري ذهبوا لنفس الغرض، ولم يكن في ذهني الكتابة عن ذلك، لأني أعتقدت أن المشهد انتهي مع صافرة حكم المباراة وفوز الجزائر وتأهلها لمونديال جنوب أفريقيا 2010 .. لكن بمجرد وصولي القاهرة ورؤية الحشود التي امتلأ بها المطار يتملكها الخوف والرعب على أبنائهم الذين ذهبوا للسودان بعد أن شاهدوا "المذبحة" كما وصفتها شاشات الفضائيات وجدت أنه من واجبي تسجيل ما حدث كما رأيته وعشته على مدار 24 ساعة حيث بدأت أتشكك فعلاً أنني كنت في بلد آخر ووسط جماهير مصرية أخرى غير هؤلاء الذين تتصدر كلماتهم وصورهم الفضائيات. * الصور تخبرنا أن المشهد لم ينته، فهناك من يريدون تصعيد الأمر وتوجيهه وفق نظرية المؤامرة الجزائرية السودانية ضد مصر، ربما للتغطية على الهزيمة أو استغلال بعض السلوكيات والتصرفات التي تخرج عادة من بعض المتعصبين وجعلها قنبلة دخان لإلهاء الناس عن كوارث النظام والمشاكل الكارثية التي تعاني منها مصر علي جميع المستويات أو أن الحزب الوطني الذي تدافعت عناصره بالمئات داخل استاد المريخ بأم درمان ومعظمهم لايعرفون شيئاً عن كرة القدم وأصول التشجيع سوي التي شيرتات التي ارتدوها كدعاية للحزب، وأرادوا بذلك تبييض وجه مبارك وولديه عن طريق مكالمات الرئيس لبعض الفنانين وتأكيده على تأمين وصولهم ليقولوا ذلك على كل الفضائيات، أو الكلمات الرنانة التي أطلقها علاء مبارك على قناة دريم متحدثاً كما قال ليس لأنه ابن رئيس الجمهورية ولكن كمصري غيور على وطنه، وكأنه كان في انتظار المباراة ليعرفنا بنفسه، وهو الذي كان مع أخيه وبعض أعضاء الحزب أوائل من تركوا الخرطوم بعد أن اطمأنوا على طائرة المنتخب، والفيديوهات التي تعرضها الفضائيات لهم على الطائرة خير شاهد على ذلك، كما أن ضحكاتهم ودعاياتهم مع بعض الفنانين أثناء الرجوع يعطينا مؤشرا حقيقيا علي وطنيتهم وغيرتهم علي هزيمة المنتخب من جهة، وكذلك خوفهم ومتابعتهم المستمرة لحشود الجماهير المصرية التي افترشت أرض مطار الخرطوم في انتظار السفر دون أن يجدوا مسئولاً واحداً من السفارة المصرية بالسودان أو أحد قوات الأمن الخاصة التي أشاعوا أنهم بالعشرات وسافروا مع المشجعين في زي مدني لحمايتهم. * أما الحديث عن العنف والجحيم الجزائري الذي أحاط المشجعين المصريين وارهابهم بالسنج والمطاوي والسكاكين والحجارة فهو كلام مبالغ فيه لأقصى درجة، لأن كل ما نراه علي مجمل شاشات الفضائيات هو أتوبيس واحد تم رشقه بالحجارة من بعض المتعصبين الجزائريين بعد المباراة، وبالفعل لا ننكر حدوث المشاحنات والمضايقات لكن ليس على ذلك النحو من المبالغة، ويتحمل المسئولية الكبري فيها غياب التنظيم المصري وعدم وجود معلومات واضحة عن مسار الأتوبيسات المصرية هناك وغياب التنسيق الأمني مع الأجهزة السودانية التي ثبت بالفعل أن قدراتهم أقل من تنظيم مباراة بهذا الحجم وهذا الأتوبيس واحد من عشرات ومحمد فؤاد وهيثم شاكر هما اثنان من آلاف، وهذا لايعني الدفاع عن الجزائريين، لكن يجب أن نضع الأمور في حجمها الطبيعي، إذا ما قسنا مثلاً ما جري علي ما يحدث في نطاق الحوادث الفردية لبعض الخارجين عن الروح الرياضية، مثل ما يحدث أحياناً من جماهير الأهلي والزمالك والاسماعيلي، وأعتقد أن ما جري في الإسماعيلية العام الماضي ضد جماهير وفريق الأهلي ليس ببعيد عندما تم القاء الحجارة علي أتوبيس فريق الأهلي وكذلك تم تكسير المدرجات في استاد الاسماعيلية وإلقائها علي اللاعبين والجهاز الفني، وعوقب الاسماعيلي علي ذلك بإجراء عدة مباريات له دون جمهور. * أعترف أن هناك عدداً من التجاوزات والاعتداءات الجزائرية علي المشجعين المصريين، لكننا كنا أكثر ثباتا والتزاماً وتعاملنا معها بالصورة التي تحفظ لمصر كرامتها ومكانتها، لكن التسويق الإعلامي للكراهية والغضب الأهوج لامبرر له في رأيي سوى أنه قصور في السياسة الخارجية المصرية التي تحاول تغطية فشلها علي حساب المصريين، وتتخيل الوضع معاكساً إذا ما كان فريقنا خرج فائزاً، أعتقد أن الأمر كان سيختلف سيحسب الفوز حينها للقيادة المصرية الحكيمة والتنظيم الكفؤ والحشد الجماهيري الذي نجح فيه الحزب الوطني ورجال الأعمال لكن يبدو وأن إرادة الله كانت فوق الجميع لتكشف الحقيقة وأن من أهان مصر هم هؤلاء المنتفعين الذين تلاعبوا بمشاعر المصريين ورغبتهم المستميتة للبحث عن فرصة لتنجيم أنفسهم ولو في مباراة كرة قدم. * * جريدة الكرامة