ساركوزي الذي ألغى مشاركته في ملتقى الهوية الوطنية بحضور وزير الهجرة إيريك بيسون، اختار صحيفة لوموند واسعة الانتشار للتخفيف من وردود فعل أضحت تخدم اليمين المتطرف، خلافا للهدف الذي استهدفه من دعوة التشبث بالهوية الوطنية، الأمر الذي جعل مارين لوبان تسخر منه في لقاء مع قناة ''أي تلي'' قائلة إنه فشل في تسجيل هدف غير شرعي بلمسة يد على طريقة تيري هنري• الورطة التي لا يحسد عليها الرئيس ساركوزي، دفعت بوزير الهوية الوطنية والهجرة والإدماج إيريك بيسون أول أمس إلى التغطية على خلفية الرسالة التي حاول ساركوزي تمريرها بقلم مستشاره المعروف هنري غوانو، صاحب فكرة مناقشة الهوية الوطنية وكاتب خطاباته، وذلك بتنكره لانزلاق النقاش حول الهوية الوطنية نحو التخويف من الإسلام والهجرة• ردود الفعل العنصرية التي غذتها نتيجة الاستفتاء السويسري، لم تحدث شرخا بين الرئيس ووزير الهوية الوطنية فحسب، بل طالت عددا كبيرا من أعضاء اتحاد الأغلبية الشعبية المسيطر، وهم الأعضاء الذين رفضوا المشاركة في النقاش الذي دار أول أمس في الجمعية الوطنية، شأنهم في ذلك شأن كل النواب الاشتراكيين والخضر والنواب اليمينيين المعروفين بانتمائهم إلى جناح دومنيك دوفلبان رئيس الوزراء السابق• ساركوزي، ''اعماها أكثر'' في المقال الذي نشره في ''لوموند''، حينما دعا إلى احترام كل الأديان على قدم المساواة، وطالب المسلمين في آن واحد بالتعبير عن تدينهم بشكل محتشم ومتحفظ، مشيرا بذلك إلى المآذن والبرقع وكل أشكال التعبير الديني المرادف لإيديولوجية التعصب والانعزال والتفرقة الجنسية وعدم المساواة، وزاد ساركوزي من مغالاته ولعبه على المفاهيم بصورة مشوشة بعد أن ربط بين الإسلام والمهاجرين بصيغة الحاضر باستعماله تعبير ''الذين يصلون''، وبذلك يكون أشار إلى إسلام جديد أصبح يهدد فرنسا• الخلط الساركوزي المتعمد لم يترك بعض الكتاب المعروفين المتخصصين في الفكر الإسلامي غير مبالين، وحسب الباحثة المعروفة جزائرية الأصل دنيا بوزار، فإن ساركوزي لا يفرق بين الإسلام والهجرة من جهة، ويضع الإسلام في خانة ضيقة ومغلقة على النحو الذي يفهم أنه غير قادر على التحاور والاختلاط مع الحضارة الغربية من جهة أخرى• إلى الفكرة نفسها ذهب رشيد بن زين المفكر جزائري الأصل، والباحث في المرصد الديني بمدينة إكس أوبروفنس بجنوب فرنسا، وبن زين لا يختلف في موقفه عن بوزار بتأكيده على أن ساركوزي يؤمن بأن الهوية الوطنية تناقض الهجرة، ويندهش لاعتباره الإسلام دين المهاجرين بشكل آلي وحتمي لجهله أو لتجاهله بأن الإسلام موجود في فرنسا منذ أكثر من قرن• اريك جيوفروا الباحث المسلم شارك في رد على ساركوزي بقوله إن الرئيس يسوي بين المسلم والمهاجر، ويخلط بين المفاهيم والرموز غير الإسلامية، وفضح نفاق الرئيس الفرنسي في الأخير بقوله إن حرصه على ضمان حقوق المسلمين في المجال التربوي مجرد كذب، ولا أدل على صحة ذلك من عرقلة تدريس الإسلام في جامعة ستراسبورغ• كمال قبطان عميد مسجد ليون الجزائري، وخلافا للمغربي محمد موساوي رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، لم يحاول تفهم ساركوزي ودعوته المسلمين إلى تدين الكتمان والتحفظ، ومطالبتهم بالاعتراف بالقيم الجمهورية لا يعد أسلوبا موضوعيا، في الوقت الذي تحرر فيه الجميع لاتهام الإسلام بعدة أشياء غير صحيحة، والإسلام الذي يجب أن يمارس بتحفظ يعني الأقلية كما هو معروف، ولكنها الأقلية التي يجب أن تعامل على قدم المساواة مع الديانات الأخرى، أضاف قبطان ردا على الرئيس ساركوزي•