خلال كل هذه السنوات ظل كامي كاتبا إشكاليا، لم يتوقف اللغط حوله• لكن هذا الجدل لم يكن منصبا على التناول النقدي لكتاباته، التي أهلته للظفر بجائزة نوبل، بل على قضية فرعية تتصل بانتماء وهوية كتاباته الموزعة بين موطن ميلاده ونشأته الجزائر وبين عرقه الفرنسي•• في الجزائر خاصة، ظل المثقفون والكتاب منقسمين إلى فريقين، بين مدافع عن جزائرية كامي، ممن رأوا فيه صوتا معبرا عن الأهالي ومناصرا لقضاياهم، وبين معترض على اعتباره كذلك لأنه اختار فرنسا الأم، في عبارته الشهيرة ''أنا أحب العدالة لكنني سأدافع عن أمي قبل العدالة''• ولم يعبر عن تأييده للثورة الجزائرية صراحة، بل كان يدين عمليات ''معركة الجزائر''، معتبرا إياها إرهابا يمكن أن يهدد حياة والدته التي كانت تسكن بحي جزائري، بالقدر الذي كان يدعو إلى التعايش بن الجزائريين وتمكينهم من حقوقهم في ظل حكم فيدرالي•• ولا يعنينا هنا أن نقف مع هذا الفريق أو ذاك، ولا أن نقحم أنفسنا في جدل لا نرى أنه من الأهمية بمكان،لأن المحاكمة التاريخية مهما كانت سلبية أوإيجابية لا يمكن أن تعمينا عن رؤية الجوانب الجمالية والإبداعية في أدب كامي• ولكل فريق أن يرى ويصنف كامي في الخانة التي يشاء، لأن ذلك لن يقدم أو يؤخر في الأمر شيئا، فمن رأى أنه كاتب كولونيالي أخطأ في الجزائر فله ذلك، ومن قال غير ذلك، ورأى بأنه جزائري الروح والكتابة فهو حر في ذلك• لأن الأكيد أن كامي كان فيلسوفا على درجة كبيرة من الوعي، وكان مطمئنا إلى موقفه الذي اتخذه وإلى قناعاته الفكرية المبنية على موقف التعارض الذي يبدو عند التبسيطيين محاولة للجمع بين متناقضين، وكانوا يريدون منه موقفا واضحا ''مع العدالة'' أو''ضد أمه''، لا سيما في أوقات الأزمات حين يطلب من المثقف أن يعبر عن مواقفه واتجاهاته الفكرية والسياسية بكل صراحة•• وفي نهاية المطاف لا دفاع المدافعين سيجعل منه بطلا جزائريا، ولا هجوم الخصوم سيدخله ضمن الخونة•• لا أستطيع أن أجد تفسيرا لإصرار البعض على تجريم كامي ونفي كل علاقة له بالجزائر، رغم ارتباطه بها مولدا ونشأة ونصا، ولا يذكر التاريخ أنه أعلن صراحة عن معاداته للجزائر، حتى وإن التزم جانب الحياد والصمت في أحيان كثيرة، وهو في مواقفه من الجزائر ومن الثورة الجزائرية لا يختلف إلا قليلا عن مواقف بعض الرموز والسياسيين الجزائريين على غرار فرحات عباس•• ما يعنينا هنا أن نشير إلى حقيقة بسيطة، وهي أن ألبير كامي الكاتب كان ضحية عبارته الشهيرة بعد فوزه بنوبل، وهي تصريح لا يتجاوز الجملة، ظلت لعنته تطارده حتى بعد مماته، ومن الظلم أن يختزل إنجازات كاتب بحجم كامي، في جملة قصيرة أدلى بها في ندوة صحفية مرتجلة، وضمن سياق تاريخي معين، وفي لحظة تاريخية ما، كان يمكن أن تتغير• والحري بمن يريد أن يتبين مواقف كامي الحقيقية أن ينقب في إبداعه ونصوصه•• ولنا عودة إلى الموضوع•