هل يمكن اختزال كل مواقف ألبير كامو في عبارة سريعة قالها في تصريح صحفي مرتجل؟ أم علينا مراجعة كل نتائجه كي نصل إلى موقفه الحقيقي في الجزائر؟ ذلك هو التساؤل الذي حاولنا الإجابة عليه في هامشنا السابق• ففي حين تصر بعض الأوساط لأسباب كثيرة على جزائرية كامو، يعتبره الكثير كاتبا فرنسيا بامتياز، وربما تكون بعض مواقف الكتاب الفرنسيين أشرف بكثير من مواقف كامو، مثل الفيلسوف والكاتب جون بول سارتر، الذي عبر عن استنكاره لما يحدث في الجزائر معتبرا إياه عارا فرنسيا في الجزائر، ولم يحدث ذلك مع كامي، الذي فضل في سلوك طبيعي أمن أمه وسلامتها على أرض الجزائر على عدالة القضية التي كان يخوضها شعبنا•• حين أجاب على سؤال الطالب الجزائري، بعد تسلمه جائزة نوبل، بأنه يؤمن بالعدالة، ولكنه يفضل أمه على العدالة•• وقد أثار تصريحه هذا لغطا وجدلا كبيرين بين مؤيد ومعارض، منغصا عليه فرحته بجائزة نوبل• وعلى الرغم من أن المقصود بالأم هنا هي الأم البيولوجية، إلا أن الكثيرين فهموا أن المقصود بها هو فرنسا، مما يعني أن كامو كان موزعا ومترددا بين موقفين، موقف عقلي وأخلاقي هو إيمانه بالعدالة، التي تمثلها القضية الجزائرية، وموقف غريزي عاطفي هو خوفه على أمه، وهو موقف لا يحسد عليه• لكن لماذا لم يتوقف أحد لكي يقول•• ألا يعني ذلك أن كامو كان مؤمنا بعدالة القضية الجزائرية، حتى وإن فضّل فرنسا الأم التي لا يمكن أن ينفصل من عرقها والإنتماء إليها، وهو ما يجب أن يفهم من عبارته الشهيرة• وإذا كنت أرى أنه من الأهمية بمكان أن نقرأ نتاج كامو، بدل محاكمته على عبارة يمكن أن يتورط في قولها أي كان مهما كان ذكاؤه، فذلك لأنني أرى أن رواية الغريب تعبر عن ذات الأزمة التي وردت في عبارة كامو الشهيرة، أي موضوع الأم والعدالة الثنائية التي ارتبطت بكامو، وكانت السبب في اللغط الدائر حوله• إن الذي يتأمل رواية كامو الغريب سيجد أنها تعبر بشكل ما عن موقف كامو من الجزائر، ففي هذه الرواية نلاحظ أن بطل الرواية المتهم بقتل عربي، أغلب الظن أنه جزائري، لا يحاكم لاقترافه هذه الجريمة وإنما يحاكم لأنه وقف موقف اللامبالي أمام فاجعة أمه، بحيث أنه لم يتأثر ولم تبد عليه آثار الحزن والفجيعة، فلم يبك لوفاتها، وكان يقوم أثناء جنازتها بأفعال منافية للحزن والتفجع، كشرب القهوة والتدخين• وقد أخذت المحاكمة هذا المنحى بدل أن تأخذ منحاها الطبيعي، وهي محاكمة بطل رواية الغريب على قتله للجزائري بكل برودة دم، وهي ما تقتضيه العدالة الحقة• ألا ترمز الأم الميتة هنا، بالنسبة لهواة التأويل، إلى فرنسا، ولا مبالاة ابنها كامو أمام موتها، كما ترمز إلى إفلاس عدالتها التي لا تحاكم القاتل على جرمه وإنما تحاكمه على لامبالاته بموتها؟