اليوم، ظهر لي أن أكتب عن حسنة من محاسن سيدة مقام الهضبة، بعد أن اتُّهمَ هذا الكاري، بمعاداة الساميّة، والتمرّد على المذهب التّومي·· وعلى مقاس ''رحم الله امرأً أهداني (محاسني) - باعتبار أن عدّ العيوب مرهق - سأقف اليوم على جديّة المشروع الذي وضعته مؤخرا وزارة الثقافة على طاولة رئيس الجمهورية، تطلب فيه تمكينها بقرار رئاسي من استعادة قاعات السينما الموروثة من عهد الأخوين لوميير، والمتواجدة عبر تراب الوطن، قصد إيقاظها من موتها الإكلينيكي الذي أصابها بعد أن رفعت الدولة يدها عنها مع نهاية السبعينيات، فحُوّلت إلى مآرب أخرى·· قد أجزم بأن أصحاب العمر الثلاثيني في الجزائر، هم آخر جيل دخل قاعة السينما باعتبارها طقسا أسبوعيا، صعب التفويت، ولعلّ مشاهد قفزات بروس لي، وحدّة نظرات كلين ديسوود، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كانت آخر المشاهد التي وقّعت نهاية عهد الطوابير الشبابية أمام قاعات السينما، أيام كان المتأخرون عن الموعد يستعينون بعلب صفائح زيت ''صافية''، للجلوس؛ بعد أن غزا المحظوظون كراسي القاعة كلها ·· مع بداية آخر عشرية في القرن الماضي، دخلت قاعات السينما في الجزائر عهدا جديدا أحال الشاشة البيضاء العملاقة إلى التقاعد المبكّر واستولت أشرطة الفيديو على المكان، وتقلّص جمهور السينما لينحصر في مجموعات من المهووسين باللحم الأبيض، الذي استثمر في صوره أصحاب الباقيات الطالحات من قاعات السينما، وبذلك تحوّلت القاعات إلى ''محشاشات'' ذات صيت سيئ في مجتمع جزائري محافظ·· مع نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، تحوّلت أغلب قاعات السينما في الجزائر، من ''محشاشات شبابية'' إلى ''محشاشات سياسية'' يجمع فيها محترفو التطبيل الانتخابي، ما تسنّى لهم من غاشي، وبذلك أسس أولئك الطبّالون لنوع جديد من جمهور قاعات السينما·· جمهور - عجوز في مجمله - موغل في التثاؤب أو التصفيق تحت منصة يعتليها ممثل سياسيّ فاشل·· مع نهاية العشرية الأولى من القرن الثالث وبداية العشرية الثانية، تضع وزارة الثقافة على طاولة الرئيس، مشروعا لاستعادة الجمهور الحقيقي لقاعات السينما·· ذلك الجمهور الذي يحتمل طابور الوقوف خارجا، من أجل الدخول إلى تلك الغرفة الكبيرة المُعتمة التي تغسلك بدهشة الصورة قبل أن تخرج للضوء··