فقدت الجزائر، أول أمس، أحد أبرز رجالها الذين ارتبط اسمهم بمكافحة الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار. ولم يكن رحيل المدير العام للأمن الوطني، علي تونسي، على يد الإرهاب مثلما كانت قد خططت له الجماعات الإرهابية لمرات عديدة دون جدوى ولكنه قتل على يد أحد إطارات الشرطة خلال جلسة عمل عقدت صباح الخميس بمقر المديرية العامة للأمن الوطني، وضمت مديرين مركزيين من الجهاز. وهو الحدث الذي اهتزت له الجزائر بأسرها، وأبرز بشكل كبير آثار “الرجل القوي” الذي نجح في إدارة جهاز الشرطة مدة ست عشرة سنة كاملة، وحول الشرطة بمعية باقي السلطات العمومية المعنية، إلى جهاز فعال وذي نوعية وكفاءة كبيرة، بعدما كان يعد سنوات التسعينيات من أضعف الأجهزة الأمنية في الجزائر. توفي المدير العام للأمن الوطني، علي تونسي، عن عمر يناهز 73 عاما، قضى أغلبها في خدمة الوطن إلى آخر لحظة، وترك وراءه إنجازات لا ينكرها إلا جاحد. ويعد المرحوم علي تونسي من أبناء الجزائر الذين آثروا الالتحاق بصفوف المجاهدين في سن مبكرة، وهو لايزال طالبا وعضوا في الاتحاد العام للطلبة الجزائريين، نشط ضمن جهاز التسليح والاستعلامات “المالغ”، انضم علي تونسي إلى صفوف الولاية التاريخية الخامسة سنة 1957، سجن بعدها بسنة وكان برتبة ملازم، ولم يخرج من السجن إلا بعد الاستقلال. عندئذ تبدأ حياة “العقيد” العسكرية في صفوف الجيش الوطني الشعبي، بعدما كان قد تلقى تكوينا بالمدرسة السياسية الإدارية في 1958، والتحق بعد الاستقلال بجهاز المخابرات العسكرية. وفي سنة 1970 عين الراحل قائدا لمدرسة الهندسة العسكرية بأرزيو، ثم قائدا مساعدا للناحية العسكرية الرابعة، قبل أن يحال على التقاعد سنة 1988، تولى خلالها مناصب مهمة، منها الإشراف على إنشاء وتنظيم الأمن العسكري سنة 1990. لكنه عاد للظهور مجددا سنوات الأزمة بعد أن قرر الرئيس الأسبق، اليامين زروال، تعيينه في مارس 1995 مديرا عاما للأمن الوطني، ومنذ ذلك الحين برز اسمه بشكل أكبر وتمكن من صنع الاستثناء ببقائه في نفس المنصب مدة ست عشرة سنة كاملة، لقدرته على إدارة الجهاز رغم ثقل المسؤولية. وتمكن علي تونسي خلال فترة إدارته لجهاز الشرطة من ترقية صورة السلك بشكل تدريجي وإزالة الكثير من السواد الذي التصق به سنوات التسعينيات بسبب شبهات التعنيف في مراكز الأمن والرشوة والتعسف في استعمال السلطة، التي روجت لها هيئات أجنبية. ولم تقتصر إنجازات علي تونسي في هذا الإطار على إحالة العديد من الأعوان على القضاء بعد أن أثبتت التحقيقات تورطهم في قضايا الرشوة، بل واصل سياسة التطهير إلى حد تمكين المواطن من فضح أعوان الشرطة الذين يطالبونه بدفع رشاوى، وكان دائم التحذير لأعوان الشرطة من سوء استخدام المنصب، ولم يكن يتوانى في معاقبة المتجاوزين. وموازاة مع ذلك، رسخ اسم الرجل أكثر في الأذهان، وأصبح لصيقا بمكافحة الإرهاب طوال السنوات الأخيرة، بعدما مكنت مخططاته في تعزيز سلك الشرطة وتحديثه ومخططات مكافحة الإرهاب من توفير قسط كبير من راحة البال للمواطن الجزائري، ونذكر جيدا عندما سألناه قبل سنتين على هامش حفل تخرج إحدى الدفعات عن تخوف المواطنين من اقتراب شهر رمضان الذي كان يعني المزيد من التقتيل والانفجارات، فأجاب بثقة كبيرة “قولوا لهم يرقدوا مهنيين”. ولعل ما قاله وزير الداخلية، في بيان التأكيد على اغتيال العقيد علي تونسي، أفضل دليل على إنجازات الرجل فقد دعا كافة مستخدمي المديرية العامة للأمن الوطني للحفاظ على الحركية التي باشرها الفقيد في مهامهم بما يخدم مؤسسات الجمهورية.