لم أتفاجأ كثيرا وأنا أقرأ الخبر الذي أوردته “ الفجر” في وقت سابق عن غياب الشعراء الجزائريين ضمن تتويجات “شعراء بلا حدود”، وكنت سأفاجأ لو حدث العكس، لا لأن هذه الهيئة نزيهة و محقة في تقييمها، ولكن لأن الشعر الجزائري كف عن لفت النظر وإثارة الدهشة داخل حدودنا القطرية فما بالك بما وراء الحدود وكل الجوائز التي تحصل عليها شعراؤنا تمت بعد ترشيح الشعراء لأنفسهم بطريقة المسابقات المدرسية، حتى وإن كان الأمر جائزا ولا ضير فيه. ونحن نحتفل باليوم العالمي للشعر لابد من وقفة تقييم حقيقية لمشهدنا الشعري، بكل تجرد وبعيدا عن أي غرور، وبشجاعة من يواجه حقيقة أن الشعر الجزائري يعيش مأزق حقيقيا، مع نفسه ومع شعرائه ومع قارئه.. وهو ما فتئنا نردده. هل يجوز لنا، والحال هذه، أن نقول إن الشعر الجزائري ميت إكلينيكيا، ولم يبق إلا أن ننزع عنه أجهزة التنفس والحياة الاصطناعية كي يلفظ آخر أنفاسه. قد تبدو هذه النظرة مشوبة بالتشاؤم والتنكر لما أنجز وما لم ينجز، ويسعدنا أن ينورنا من يرى غير ذلك، بأن يشير لنا بأصبعه لشاعر جزائري واحد يملك مشروعا شعريا أسس له على امتداد مساره الشعري بالتثقيف الذاتي والتأمل والتجريب، وحقق من الحضور الشعري ما يجعلنا نشير إليه بالبنان.. ليكن واضحا هنا أني لا أقصد بالشعر تلك النماذج النمطية المكرورة التي نسجت على منوال درويش أو نزار أو شوقي بزيع أو غيرهم، بشكل مشوه للأصل وللنسخة، ولا تلك المحاولات العائمة مثل جبل الجليد التي لا تنتمي إلى سياق لغوي صحيح، يقف وراءها شعراء وشاعرات شبه أميين، بلا ثقافة ولا خلفيات ولا مرجعيات، لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة الشعر العربي قديمه وحديثه، ناهيك عن العالمي، ولا اكتساب أبسط مبادئ النحو والصرف والتركيب اللغوي. ولا بأس إذا تجاوزوها بعد ذلك إلى كتابة قصيدة الراب.. كل هذا لا ينفي وجود مواهب شعرية فردية تشكل الإستثناء، كما تشكل حالات معزولة لا تكفي للقول بوجود شعر جزائري الملامح، وبما يجعلها تشكل حركة شعرية بأسمائها وعلاماتها وتنوعها. حتى هذه المواهب لم يكتب لتجربتها أن تكتمل بفعل عديد العوامل التي أدت إلى وأدها وإجهاضها قبل اكتمالها من قبيل ضغط المؤسسة الاجتماعية بإكراهاتها المادية التي تتلخص في الشغل والزواج وتحقيق الذات.. فضلا عن غياب الوعي بأهمية الممارسة الشعرية ومتطلباتها وعدم التعاطي معها بما يليق بها من الجدية والإحترافية. بالإضافة إلى الوضع المتصل بالشعر نفسه من حيث تراجعه عن الوظائف التي كانت منوطة به، وانحسار دوره ومكانته إلى شكل من أشكال الفرجة والكرنفالية والخطابية. ولم يعد ذلك الفن الرؤيوي الراقي المنتمي إلى ثقافة النخبة والثقافة العالمة بقدر ما صار حرفة من لا حرفة له من أصحاب المراهقة المتقدمة والمتأخرة.. وهو ما أدى إلى عزوف القراء عنه وزهد دور النشر في طبعه، مثلما أدى إلى هجرة جماعية من قبل الشعراء إلى فن الرواية، ديوان العصر والعجلة الخامسة لكل من ضاقت أمامه سبل الكتابة الحقة. مأزق الشعر الجزائري من مأزق الشعر العالمي، ومن مأزق الشعر العربي بعد رحيل أسمائه الكبيرة، ولكنه أكثر وطأة لأنه توقف به عند لحظة مشروع شعراء جيل الثمانينيات الذي يكاد يكون بارقة الأمل الوحيدة التي سرعان ما انطفأت إلى غير رجعة. كل ربيع والشعراء والأشجار بخير.. أحمد عبدالكريم