وأخيرا تجرأت الجزائر وقالتها بصريح العبارة أمام مجلس وزراء الخارجية العرب، المنعقد أول أمس، بسرت بليبيا، قبيل القمة العربية، وأفصحت عن اقتراحها المتعلق بتدوير الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حتى لا تبقى مرهونة بيد مصر وحدها، والذي في الحقيقة ليس بالجديد، إذ سبق الحديث عنه بمناسبة قمة الجزائر سنة 2005، وكان قد لقي معارضة خاصة من قبل دول الخليج، بحجة أن هذه لا تقدر على زعل الأخت الكبرى مصر. هذا الاقتراح الصائب والعقلاني وجد أول معارضة له من السيد الفاسي الفهري، وزير خارجية المملكة المغربية، الذي أراد أن يميع المقترح الجزائري، وقال إن الأولوية هي للقضية الفلسطينية التي يجب أن تركز الجهود لحلها. نعم، الأولوية كانت وما تزال دائما للقضية الفلسطينية وعلى رأس جدول أعمال كل القمم المنعقدة طوال تاريخ الجامعة العربية، لكن ما لم ينتبه رئيس الدبلوماسية المغربي، أن المقترح الجزائري إنما يصب في صميم القضية وفي صميم حلها، لأن بقاء الجامعة العربية كامتداد للخارجية المصرية لن يقدم جديدا للقضية الفلسطينية، وتحرير الأمانة العامة من ربقة مصر يعني تحرير القضية من قبضة الرؤية المصرية التي رهنت القضية بمصالح مصر الاستراتيجية، فقد سبق وحلت مشكلة سيناء القضية الفرع، على حساب حل شامل للقضية الأساس وهي القضية الفلسطينية، وهرول مبارك للتقارب والصداقة مع إسرائيل تماما مثلما هرول قبله السادات حين سافر إلى تل أبيب، ووقع اتفاقيات كامب دافيد، ولم يعر اهتماما حتى لمجرد ذكر اسم فلسطين في كلامه ولقاءاته مع الإسرائيليين أو الأمريكيين. صحيح أن القضية لم تكن أفضل عندما خرجت مصر من الجامعة العربية بعد كامب دافيد، لكن على الأقل كان الفلسطينيون وقتها صفا واحدا، بل تمكنت كل الفصائل من الانضواء في مؤتمر الجزائر تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، أما اليوم فقد صارت القضية عدة قضايا، وصار هناك ما يسمى بقضية غزة التي اختصرت قضية بكاملها في قطاع غزة، وصرنا نتحدث عن شعب غزة بدل الشعب الفلسطيني، مثلما نتحدث عن حكومة حماس وأسقطنا كلمة فلسطين من التسمية. وقتها كنا نتحدث عن المقاومة واستعادة الأرض المسلوبة، وعن حق العودة وإقامة الدولة الواحدة الموحدة، أما اليوم فصرنا نلهث وراء سلام بأي ثمن، سلام سميناه سلام شجعان أو سلام جبان، لكن إسرائيل كانت في كل مرة ترد علينا بالقنابل والفسفور الأبيض وبالمجازر. نسي الفاسي الفهري أن الجامعة المصرية باركت بناء الجدار الفولاذي على طول الحدود مع غزة، وقبله باركت بناء جدران عالية أمام كل الحلول الممكنة للقضية.