تبّا.. نحن لا ندرك أننا نحلم إلا حين نفيق من النوم! طلبَنا سعادة المدير العام للاجتماع على الساعة التاسعة. كان منضبطا وغير متسامح مع المتهاونين، ولذلك؛ فقد كان كل الموظفين يلتزمون أماكنهم في قاعة الاجتماعات على التاسعة تماما شخصيّا كنت في القاعة قبل الموعد بربع ساعة حتى أجلب رضاه عني وأثير انتباهه بأنني موظف مثالي، لكن حركتي أتت بنتيجة عكسية، فقد غضب المدير وطردني من القاعة وهو يقول: اللعنة، متى تتعلمون احترام المواعيد؟!. عدت إلى مكتبي خائبا وانتظرت تمام التاسعة، وعندها كنت في القاعة مع بقية الموظفين. ألقى مدير المؤسسة خطابا حماسيا بمناسبة ذكرى استرجاع وسائل الإنتاج، صفقنا له بحرارة.. صفقت بحرارة لأؤكد له بأنني موظف مثالي. وفي نهاية الاجتماع، أعلن المدير أن معالي وزيرة السباحة ستقوم بعد الظهر بإلقاء كلمة في شاطئ النخيل بمناسبة اليوم الوطني لتنظيف الشواطئ، وأنه سيرسل ممثلا عن المؤسسة للمشاركة في الاحتفال لأن علاقة شركتنا بالوزارة جيدة جدا، وقد وقع اختياره عليّ. كلفني بالمهمة وطلب مني أن أصفق كثيرا وبصدق لكلمة الوزيرة حتى أمثّل المؤسسة أحسن تمثيل. وحين كانت الوزيرة تلقي كلمتها المؤثرة، رحت أصفق بحرارة لأنافس بقية المصفقين من المؤسسات الأخرى، فهدفي الوحيد الذي وضعته نصب عيني هو ألاّ أخيّب ظن مديري وأن أمثّل مؤسستنا أحسن تمثيل. بعد يومين، استدعاني المدير العام لمكتبه وأسمعني إطراء لم أعهده منه، وأعلمني وهو في قمّة السعادة أن السلطات العليا أبلغته رضاها عنه وعني وعن المؤسسة، وكلفني بمهمة أخرى، وهي حضور الكلمة التي سيلقيها معالي وزير التبغ والكبريت، وقال لي حين هممت بالخروج: لا أوصيك، الوزير صديقي وأريد أن تمثّل مؤسستنا أحسن تمثيل وتفرّجني في الشركات المنافسة!. أوصلتني سيارة المؤسسة إلى وسط المدينة حيث سيقوم وزير التبغ بتدشين كشك جديد للتبغ والحلويات بعد لحظات، اصطففت مع الجمهور الغفير في انتظار قدومه، وحين نزل من سيارته الفارهة رحنا نصفق بحرارة وصدق. ألقى الوزير كلمة مؤثرة عن مشروع كشك في كل شارع الذي يرعاه فخامة الرئيس شخصيا، وعن خطّة السلطات العليا لمحاربة الحراڤة.. صفقنا بحرارة وصدق. ثم تحدث أحد الشبان المستفيدين من كشك عن تجربته الشخصية وقال إن الشرطة كانت تلاحقه قبل عام هو وطاولته من شارع إلى شارع، أما الآن فقد منحته السلطات كشكا كاملا ومجهزا.. صفقنا بحرارة وصدق. في غضون أسابيع قليلة، أصبحتُ الممثل الشخصي للمدير العام، وأخذ نجمي في الصعود بقوة وسرعة.. انضممت إلى منظمة مصفقون بلا حدود، ومنحت جائزة أحسن مصفق في مهرجان التصفيق الوطني. نلت ترقيات كثيرة، وعندما استدعي المدير العام لمهمة أخرى، عُيّنت على رأس المؤسسة خلفا له. ولكن بالمقابل بتُّ أعاني من التهاب مزمن في يديّ. ولم تنفع المراهم والمستحضرات الطبية في علاج هذا الداء المستفحل. اللعنة.. نحن لا ندرك أننا نحلم إلا حين نفيق من النوم! الحمد لله، فكل ذلك كان مجرد حلم، حين أفقت ضحكت كثيرا، وقلت في نفسي: هل يعقل هذا؟ نحن في ألفية جديدة ولازلنا نحلم بهكذا أحلام سخيفة؟! حملت الأجندة لأرى مواعيد اليوم، ووجدت أنني ملزم باجتماع على الساعة التاسعة صباحا في مقر المؤسسة، ومكلف بحضور كلمة وزيرة السباحة في شاطئ النخيل بمناسبة اليوم الوطني لتنظيف الشواطئ. في طريقي إلى العمل عرّجت على إحدى المكتبات المخصصة لبيع كتب من قبيل: كيف تصبح ثريا في ثلاثة أسابيع وكيف تصبح شخصية مؤثرة. اقتنيت كتاب كيف تصفق بحرارة دون أن تتورم يداك الأكثر مبيعا في الأسواق هذه الأيام، وتوجهت إلى العمل!.