تتشابك الكثير من المعطيات فيما بينها، لتجعل من الأعمال التلفزيونية عندنا بعيدة عن المستوى العربي الجيد. ولتفسير هذا، التشابك علينا أن ندرك ونعي أن أهم عناصر الصورة الجيدة سواء في السينما أو التلفزيون هو السيناريو وبالتالي نتساءل ما الذي ينقص الكتابة الدرامية عندنا حتى تكتمل؟ أعتقد أن ما ينقصها شيء محوري مهم هو الذي يحدد عادة جمال العمل المكتوب ومدى قوة تأثيره على المتلقي الذي يرى تلك الأحداث .. ما ينقصها هو قوة الخيال الذي يجعل للأحداث طعما وذوقا وتميزا ومعنى.. قوة الخيال هي الترمومتر الوحيد، في اعتقادي، الذي نعرف من خلاله أن الكاتب متميز يملك من الخيال ما يجعله يبدع وفق قوانين هندسية صارمة، لا تخرج عن كونها الفبركة والبساطة والذاتية والأناقة الفكرية التي تترجم إلى صور فنية عالية التكوين..ومن ثمّ أستغرب في كل مرة عندما أرى سلسلة درامية جزائرية وأجدها بسيطة جدا.. سرد قصصي بسيط ومبتذل وبناء درامي على حدود سهلة دون إبهار ودون فلسفة سينمائية، يتكسر تناغمها عادة وراء الإيقاع الذي يتبعه الكاتب عند الكتابة فيأتي هذا الإيقاع بطيئا يحمل أعباء كثيرة من الملل لدرجة أنه يريد أن يحكي الحدوثة فقط وينتهي. لكن؛ دعونا نبتعد عن حلقة السيناريو قليلا ونناقش بعض المعطيات الجديدة في الدراما الجزائرية الجديدة.. فكرة الاستعانة بنجوم عرب كبار مثلا؛ فكرة لا يختلف عن جدواها أحد، فالمنتج عليه أن يعي أن تسويق عمل ما على المستوى العربي يحتاج إلى اسم عربي كبير يستطيع حمله، فالأعمال تباع وتشترى حسب الأسماء الموقّعة في الأخير.. هذه هي اللكنة التي تعترف بها السوق لكي تسمح بلغة التداول المعروفة أن تمارس على أرضها.. وهذه هي القوانين الآدمية التي يعرفها كل الناس ترى لكل راء من بعيد..أما حكاية لغة الحوار التي هي أساس المشكلة التي أقرّها الكثير من المتتبعين، فلا أرى فيها مشكلة على الإطلاق.. فقط أن يقوم صنّاع العمل بتهذيب الحوار وجعله أقرب من اللغة العربية الأم.. وحتى صياغة أعمال باللغة الصحيحة هو ممكن، بل أراه شيئا رائعا، لكن أنا متأكد من أنه لن يتم هذا إلا بشروط قاسية هي بالتأكيد موضوعية في السحر السينمائي.. أهم هذه الشروط هي القدرة على الأداء عند الممثل والتمكّن منه، خصوصا ما تعلّق بمخارج الحروف التي يجب أن تكون سليمة بعيدة عن التكلف والأداء المسرحي العقيم، الذي يقتل صدق الأداء في السينما والتلفزيون، ومن ثمّة إعطاء الدور بعده الحقيقي سواء على المستوى النفسي أو من حيث القدرة على التقمّص والإبهار. وهذا لن يحدث أبدا، إلا إذا كانت إدارة المخرج لممثليه سليمة، أي أن يكون صاحب موهبة تنقيب على الإبداع داخل الممثل، ويستخرج منه تلك الدرر الأدائية الثمينة. ثاني الشروط لاستدراك عطب الدراما الجزائرية..هي كتابة الحوار، وهو المعطى الأصعب في معادلة الإبداع في السينما أو التلفزيون. فالكاتب يجب أن يكون مثقفا وملمّا بأدواته الإبداعية ذا وعاء أدبي متميز يمكّنه من كتابة حوار جاد ومبهر.. لا أدري لماذا في كل مرة أستحضر فيلم "الرسالة" والحوار في هذه الرائعة السينمائية التي كانت درسا قاسيا ولا تزال لكل الذين يكتبون حوارا لفيلم أو لسلسلة تلفزيونية .. حوار فيلم تمكّن فيه أربعة كتّاب هم من أهم الكتّاب العرب حينما اعتمد عليهم المخرج الكبير مصطفى العقاد، من إنجاز حوار لم يرق إليه حوار حتى الآن من حيث تدفّقه وخصوبة معانيه وقوة كلماته التي اختيرت بدقة متناهية، ليأتي في النهاية، حوارا متفردا اختلف تماما عن كل الأعمال التاريخية التي اقتربت من عالمه والتي ظهرت كأفلام نفذها هواة لا يعرفون جمال اللغة. هكذا بدا لي التعبير الذاتي البسيط عن مكنوناتي الذّاتية التي ظلت في مكانها لمساحة متميزة من الزمن وها هي الآن يفسح لها بأن تخرج إلى الكون الفسيح لا تعدو كونها انفعالات صارمة قد نصيب فيها أو نخطئ .. نعم نصيب أو نخطئ ، لنؤكد بعدها أن الخطأ والصواب خطان متوازيان يسكنان أغوار النفس. قد يلتقيان أكثر من مرة فيهما الكثير من بقع الضوء والظلام.