بعد الساسة والدبلوماسيين في العالم العربي والغربي على السواء، ها هم المثقفون يستنكرون بشاعة العدوان الإسرائيلي على قافلة الحرية المسالمة، متعددة الجنسيات، ويثيرون مجددا الطابع الإجرامي لإسرائيل منذ ميلادها بقرار جائر متخف وراء شرعية الأممالمتحدة إذ بمجرد نشأتها بقرار أممي تمردت على كل القرارات الأممية الأخرى المنصفة للشعب الفلسطيني وتنكرت لها. وطرح المثقفون رؤية جديدة إستراتيجية في كيفية التعامل مع اسرائيل وعنجهيتها، انطلاقا من جريمتها في حق أسطول الحرية، مستثمرة في الهبة الدولية المناهضة لإسرائيل، ودخول تركيا بقوة في قضية الشرق الأوسط، وخاصة بعد التأكيد بأن أغلب ضحايا الاعتداء الإسرائيلي أتراك، وإصرار الحكومة الحالية على تفعيل دورها إقليميا. المطلوب جبهة إعلامية تخرج إسرائيل من صورة “الطفل المدلل” إلى صورة الشيطان والإرهابي أقرأ عملية القرصنة التي تعرضت لها قافلة الحرية كما يلي: أولا: بهذه العملية تدخل إسرائيل حربا ضد نفسها وإذا كانت إسرائيل قد نجحت في جميع حروبها ضد العرب، فإنها ستخسر الحرب التي تشنها ضد نفسها، إسرائيل ستهزم إسرائيل. وأعتقد أن الدولة العبرية بدأت تتآكل من الداخل، وإن عصر الحروب الكلاسيكية قد انتهى، ولاتزال إسرائيل تتعامل بمنطق الحرب التقليدية ضد العرب، على الرغم من استعمالها التكنولوجيا الخارقة، لكن الفلسفة التي تسير بها الحرب هي فلسفة تقليدية دينية تارة، وعنصرية تارة أخرى، لذا فقرصنتها للقافلة هي صورة لكلاسيكية الحرب الإسرائيلية. ثانيا: الحرب مع إسرائيل، ولأول مرة، انفتحت في جبهة جديدة هي الجبهة التركية، وهي بلد مسموع الصوت في أوروبا وبلد يحسب له الغرب حسابات كثيرة وكبيرة، من ألمانيا إلى فرنسا، وحتى بلدان الشمال، فالعثمانيون بهذه القافلة يعودون للبحر الأبيض المتوسط بع غياب دام قرنا كاملا، أي منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية. ثالثا: لأول مرة لا يسمع العالم الأوروبي والأمريكي صوتا عربيا مستنكرا لإسرائيل، بل يسمع صوتا تركيا بعيدا عن الخطاب الديني أو القومي، بل هو صوت جديد وخطاب بمفردات الحداثة التي يطالبنا بها الغرب. رابعا : أشعر أن ملف القضية الفلسطينية الذي كان سجلا تجاريا مصريا بامتياز و لمدة ستين سنة قد انتقل إلى متعامل ولاعب سياسي جديد وهو تركيا. وتركيا تريد أن تدخل الساحة بقوة لفرض صوتها على العالم الأوروبي الذي لايزال يخاف من العثماني حتى الآن. خامسا: أمام هذه الهمجية الإسرائيلية، علينا الآن أن نعد جبهة الإعلام لإخراج إسرائيل من صورة “الطفل المدلل” إلى صورة الشيطان والإرهابي. لذا على الإعلاميين العرب أن يغيروا من خطاباتهم، وأن يشركوا الآخر المتعاطف معهم في المعالجة. سادسا: علينا اليوم كمثقفين وإعلاميين أن نركز أكثر وأكثر على فتح علاقات جديدة وعميقة مع أصدقائنا في الغرب لتوسيع الهوة ما بين الغرب وإسرائيل، وأن نجمع حول العرب الحداثيين كل مناصري الحرية والديمقراطية في العالم.
وأعتقد أيضا بأن اعتداء إسرائيل على قافلة الحرية هي تعرية أخرى للأنظمة العربية المتخاذلة، والتي لم تكسب لا السلم ولا الحرب، ما كسبته هو بناء دول بوليسية ضد شعوبها، وإن قرصنة قافلة الحرية مرة أخرى هي لحظة وعي في بنية الذهنية العربية.