تشكل حرفة صناعة الأواني النحاسية جزءا من هوية السكان الأصليين المنحدرين من جبال الإيدوغ، حيث تتفنن العائلات العنابية في ممارستها بكل تفان وإتقان، بل وبكل افتخار، نظرا لقدم هذه الحرفة التي تعود إلى القرون الماضية.. فأغلب البيوت العريقة، خاصة تلك المتواجدة ب”بلاص درام” وبني محافر، تستخدم في حياتها اليومية هذه الأواني وتستعملها في تأثيث البيوت، نظرا لجمال شكلها وكذا براعة وجودة تصاميمها التي تجعل الزائر إلى ”بونة” الجميلة يغوص في أشكالها وفسيفسائها المستوحاة من نمط الفن المعماري الأندلسي. خلال جولة استطلاعية قادتنا إلى بعض الأحياء الشعبية، لاحظنا أن سكان بونة مازالوا متمسكين ببعض الأواني من كالسينية وغطائها، المصنوعين من النحاس الصافي بشكل جميل، كانت العائلات العنابية تقدم فيه الشخشوخة في الأفراح، لأنها أواني تعطي نكهة خاصة تفتح شهية الزائرين والضيوف. وتجدر الإشارة إلى أن العروس العنابية وبعض الفتيات المقبلات على الزواج يستخدمن الأواني النحاسية في مراسم زفافهن، والمتمثلة في ”المحبس” و”مرش الريحة”.. فقديما لما كانت العروس تخرج من بيت أهلها إلى أهل زوجها تقوم أمها بحمل مرش صغير مصنوع من النحاس يملأ بالعطر ثم يرش على العروس وهي خارجة، كما كانت العروس تحمل صينية نحاسية مملوءة ب”المقروط” العنابي والبقلاوة، تسمى المحبس، وهو نوع من الأواني النحاسية تحرص كل عروس على حمله يوم زفافها لأنه يشكل عادة متوارثة. لذا نجد أمهاتنا تحرص دائما على الإحتفاظ بمثل هذه الأشياء في ”الشورة” كونها تشكل هوية أهل عنابة الأصليين. وعلى صعيد آخر، فإن زائر بعض المنازل القديمة بعنابة، سيلاحظ أواني نحاسية تشكل ديكور البيوت، مشكلة تحفة هندسية.. علما أن هناك رحبة خاصة بصنع النحاس في مدينة ”بلاص دارم” القلب النابض لتراث بونة التي لايزال سكانها متمسكين ببعض والتقاليد الجميلة، رغم أن الأواني الفخارية هي الأخرى أصبحت تجتاح أسواق المدينة.