”الصايم يأكل النعايم والفاطر يأكل الطراطر”.. هي عبارة سمعها كل واحد منا عندما بدأ يكتشف عالم الصيام، والذي كان مرتبطا بأشهى المأكولات في أذهان الصغار، وهو ما يمكن أن يفسر إدمان البعض عند الكبر على تزيين مائدة الإفطار بكل ما لذ و طاب نهاية كل يوم من الشهر الفضيل، الذي يبقى أكبر من أن يقتصر على ملذات فانية صيام أول يوم للصغار بين المشقة والمتعة والذكرى الجميلة لكن ربط الصوم بملذات الأكل - النعايم - يبقى عند الكبار أفضل سبيل لإقناع الصغير بإكمال يومه، وعدم التوجه نحو ثلاجة المطبخ عند منتصف النهار لشرب قدح ماء يروي عطشه، أوقطعة خبز تسكت نداء بطنه. وبالحديث عن جذور هذه الجملة السحرية، فهي قديمة قدم مدينة الورود.. حيث روت لنا إحدى السيدات أنها تذكر أيامها الأولى مع الصيام والتي اقترنت بما كانت تقوله وتمنيه به والدتها وجدتها. وحسبما استقيناه من حديثنا معها فإن استعمال هذه الجملة يكون له وقع أكبر عند أول يوم يصوم فيه الصغير، والذي يجد نفسه صابرا محتسبا لما يحضًر له من نعايم. ولأن عالم الصغار عالم شائك، نجد ذات العبارة تستعمل لإشعال حرب خفية بين صغار وأقران البيت الواحد، الذي كان في الماضي عبارة عن بيت كبير يضم كل أفراد العائلة من جد و جدة وأعمام.. والشاطر من الصغار هو من يصوم الأول، ولأول مرة، لا سيما إن كان الأطفال متقاربين في السن، فتبدأ رحلة الغيرة البريئة والتنافس العنيد للظفر بنعايم الصوم. ويمضي الصائم الصغير يومه وهو محط اهتمام الجميع، كما أن عملية مراقبة لصيقة تكون وراءه لضمان عدم تورطه في عملية غش مشروعة بالنسبة لسنه بالأكل خفية بعيدا عن الأنظار. ولمد يد المساعدة له يؤخذ في جولة إلى المطبخ من أجل إلقاء نظرة على كل ما يحضر له من أطباق ستكون له وحده نهاية اليوم إن أكمل صيامه واستوفاه. و قد تعتمد الأم سياسة التنويم، والذي يطبق على الصغار بلا شك في أول تجربة لهم مع الصيام، والتي تقترن أيضا بسؤال واحد ووحيد للأم و الرامي إلى معرفة إن كان قد حان موعد الإفطار أم لا وكم بقي للأذان، وهنا يجب عليها التحلي بكل أنواع الصبر وهي ترد أن الوقت يمر.. ولا تكاد شمس اليوم تغيب في الأفق ويعلن المؤذن نهاية يوم طويل - للصغير طبعا- حتى تجد هذا الصائم فاتحا فاه، منتظرا كل ما وُعد به، وتبدأ بعدها طقوس بليدية خالصة يدعى لها أهل الوالدة ويُقام بالمناسبة فطور كامل غير منقوص، بمناسبة صيام الحفيد أو الحفيدة لأول يوم من رمضان، ويحضر لذلك عصير الليمون الممزوج بماء الورد المقطر غالبا من طرف الجدة التي تحتفظ بسر هذه المهنة العريقة، ويكون أول ما يبل به الصغير ريقه، لتتهاطل عليه بعدها ”التاوسة” من الوالدين والأجداد وكل الحاضرين، وقبل أن تمتد اليد إلى كل ما بسط أمامه من خيرات يبقى على الصغير أن يلتزم ببعض العادات الثابتة، وهي العض بكل نواجذه على قطعة نقدية تسلم له من قبل أحد أفراد العائلة، والفأل من ذلك أن يذكر الفتى يومه الأول مع الصيام وأن يمسك برمضان طيلة حياته ولا يفرط فيه. أما الفتاة فيقدم لها خلخال من الفضة تعض عليه بذات الطريقة ولذات الحكمة، على أن يقف كل منهما عند الباب ”الرتاج” وهو فأل آخر يشمل معنى جميلا للأهل.. هو أن يكبر الإبن أوالبنت و يصبح بطول الباب. كل هذا والصغير الصائم يرتدي أحلى حلة له تزدان بطربوش للفتى وثوب بهي للفتاة. اليوم غابت الكثير من تلك العادات لاعتبارات تنوعت بين معرفة عقم تلك المعتقدات و بين غياب ملامح البيت الكبير، ولكن الأكيد أن صيام الطفل لأول مرة لا يمر مرور الكرام، خاصة أن الصايم يأكل النعايم والفاطر يأكل الطراطر..!