تحيي الجزائر الذكرى ال56 لاندلاع الثورة التحريرية يوم 01 نوفمبر 1954، في جو يتسم بالشد والجذب مع عدو الأمس وصديق اليوم، الذي يبحث عن علاقة على مقاسه، دون إعطاء الطرف المتضرر من جرائمه البشعة الموصوفة بالهمجية وضد الإنسانية، أي اعتبار، في صورة قال عنها المتتبعون من شخصيات سياسية وتاريخية ووطنية، وحتى شبابية إنه تعامل بنظرة كولونيانية، تواصل من خلالها فرنسا تجاوز السيادة الوطنية وإهمال تضحيات شعب عانى الويلات والهمجية ومحاولات طمس هويته لمدة تفوق 132 سنة، وفي شكل تصريحات تصدرها باريس من حين لآخر، تكشف بالمقابل عدم تقبل فرنسا للهزيمة التي أعلن بدايتها الشعب الجزائري يوم 01 نوفمبر 1954. الأول نوفمبر 2010، يحييه الجزائريون بقوة، بعد ظهور نوايا فرنسا الاستعمارية إلى العلن من جهة، ووسط المطالبة بقانون يجرم فرنسا الاستعمارية، الذي قالت عنه السلطات العمومية إنه لم يحن وقت البت فيه لاعتبارات سياسية ودبلوماسية وقانونية، من جهة أخرى، وفي وقت تواصل فرنسا الكولونيالية استفزازاتها وابتزازاتها إزاء التاريخ والجزائر، دولة وشعبا، من خلال الإعلان عن تأسيس جمعيات تمجد همجية الاستعمار تحت غطاء الحضارة، وآخرها جمعية الذاكرة تزامنا مع ذكرى يوم الهجرة المصادف ل17 أكتوبر 1961، لتغطية نازيتها ضد المهاجرين الجزائريين في فرنسا، بقيادة الدموي موريس بابون، وهي التصرفات التي تؤكد استمرار النظرة الكولونيانية لفرنسا الاستعمارية تجاه مستعمراتها السابقة ومحاولات بائسة لطمس المجازر المرتكبة ضد شعب أعزل ثار بقوة موحدا يوم 1 نوفمبر 1954. لكن ولتعلم فرنسا أن الجزائريين بمختلف الفئات والشرائح يتفقون على أن أول نوفمبر عزتهم وقوتهم ونقطة تحول العالم، ويوما ليس كغيره من الأيام من ذاكرتهم، التي لن يستطيع أحد أن يمحوها، حتى وإن “ذهب جيل الثورة”، لأنه ببساطة 1 نوفمبر 1954، يمثل إعلان نهاية فرنسا وبهزيمة، ويعتبر علامة جزائرية مسجلة في جبين فرنسا الاستعمارية، التي ترفض سماعه أو الإشارة إليه، لدرجة أنها تتمنى تغيير شهور السنة إلى 11 شهرا دون نوفمبر، على اعتبار أنه الشهر الذي أعلنت الجزائر فيه عن انتهاء فرنسا، ودخولها قائمة الدول العادية والهمجية، ودولة غير ديمقراطية، لا تدعو إلى الحرية ولا حتى للمساواة، وأنها دولة ترفع شعارات ليست في مقامها. ع. ياحي الأحزاب في مواجهة أسس 1 نوفمبر 1954 بعد 48 سنة من صدوره الأفالان يتبنى وفاءه للعهد والنهضة تتهم الطبقة السياسية بالتخلي عن مبادئه حمس: الأغلبية صارت ترى يوم أول نوفمبر مجرد ذكرى سنوية لطالما شكل بيان وعهد أول نوفمبر 54 شعارا العديد من التشكيلات والتوجهات السياسية الوطنية، التي تسابقت في التغني بوفائها لبيان أول نوفمبر 54، لكن بعد مرور 56 سنة على صدوره و48 سنة على جزائر الاستقلال، هل فعلا مازالت الأحزاب والتشكيلات السياسية، وحتى تلك التي ولدت بعد دستور 89، وفية لبيان ومبادئ أول نوفمبر 54؟. قال حزب جبهة التحرير الوطني، بأنه كان ومازال وسيظل وفيا لعهد ورسالة أول نوفمبر 54، وسيبقى كذلك على اعتبار أن بيان أول نوفمبر 54 هو بمثابة شهادة الميلاد الأصلية للحزب. أوضح الناطق الرسمي باسم جبهة التحرير الوطني، قاسة عيسى، بأن المؤتمر التاسع الذي انعقد شهر مارس الماضي، أعلن من بين اللجان التي نصبها الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم، وترأسها القيادي في الحزب، عبد الرزاق بوحارة، لجنة حزب جبهة التحرير ورسالة نوفمبر، وتم مناقشة عمل هذه اللجنة على مستوى المجلس الوطني واللجان المختصة والقواعد النضالية، وصارت من النصوص المرجعية للمؤتمر التاسع الذي تزامن انعقاده مع ذكرى عيد النصر في 19 مارس، والذي لم يكن صدفة. وقلل قاسة عيسى من الاتهامات التي وجهت لحزب جبهة التحرير الوطني بخصوص تخلي الحزب عن مبادئ بيان أول نوفمبر 54، مجسدة في قبر مشروع قانون تجريم الاستعمار على لسان رئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، المنتمي إلى الحزب العتيد، رغم أن الأفالان كان الحزب المبادر بالمشروع، وقال المحدث “إن الحزب لم يتخل يوما عن مبدأ تجريم الاستعمار“، مشيرا إلى أن عدم برمجة القانون للمناقشة، وكما صرح زياري، مرتبط بظروف سياسية ودبلوماسية، وللدولة الجزائرية مصالح هي أدرى بها. وفي السياق، ترى حركة مجتمع السلم بأن مبدأ أول نوفمبر من المبادئ التي يتضمنها شعار الحركة في العمل والنضال، وأشارت إلى أن الفرق بين من تخلى عن تلك المبادئ ومن يدافع عنها، تترجمه الأفعال على أرض الواقع وليس بالأقوال فقط. وقال الناطق باسم الحركة، محمد جمعة، إنه من بين ما يؤكد تخلي بعض التشكيلات السياسية عن مبادئ أول نوفمبر، هو مشروع قانون تجريم الاستعمار، الذي أثار الكثير من الجدل، موضحا بأن الحركة أيدت وتؤيد المشروع بقوة، نظرا لإيمانها ودفاعها عن مبادئ أول نوفمبر، والتي للأسف لم يعد يعيشها أغلب شباب الجزائر. من جهتها، قالت حركة النهضة إن ممارسات غالبية الأحزاب والطبقة السياسية الوطنية توحي بتخلى العديد منها عن المبادئ التي أرساها بيان أول نوفمبر 54، والدولة التي أرادها مفجرو حرب التحرير المجيدة. وأكد النائب في البرلمان عن حركة النهضة، محمد حديبي، بأن المبادئ الأربعة الأساسية لبيان أول نوفمبر مغيبة، وتخلت عنها جل الطبقة السياسية في الجزائر، فلا دولة اجتماعية تحققت، والعدالة غائبة والهوة تزداد اتساعا بين الأغنياء والفقراء “ولا ديمقراطية حقيقية نعيشها، بل أن الغلق قد ازداد أكثر فأكثر، وزاد التضييق على الحريات”. وأضاف حديبي بأن أحد أهم المبادئ التي تركز عليها بيان أول نوفمبر، هو مبدأ السيادة التي تقدسها الأمم والشعوب، حيث أن أبسط شيء يعيد الكرامة لشهدائنا وللجزائر ممثلا في مشروع قانون تجريم الاستعمار، قد تم قبره والتخلي عنه من طرف البرلمان، خاصة وأن الجميع يعرف ما صاحب المشروع من ضغوط فرنسية، وعلى وجه الخصوص، من طرف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، حيث أكد على “أننا عجزنا عن تحقيق شيء بسيط ونحن أسياد في بلادنا في جزائر الاستقلال”. وتحدث حديبي عن المبادئ الإسلامية التي تناولها بيان أول نوفمبر 54، قائلا “إن الطبقة السياسية تخلت عن المبادئ الإسلامية التي صارت تداس جهارا نهارا، فأكل رمضان جهارا نهار، وحكم الإعدام يحاولون إلغاءه رغم أنه نص شرعي، إضافة إلى تهديم المساجد وغرس المبادئ الإسلامية في نفوس الشعب صار أمرا شكليا فقط”. حسان. ح المناسبات التاريخية وبشاعة وقائع الاستعمار ترفض طي ملف 132 سنة العلاقات الجزائرية - الفرنسية.. تجاوز “المطبات”، تنازلات في الأفق وطموح على المقاس باريس “طوت” ملف حساني والجزائر وضعت قانون تجريم الاستعمار جانبا في كل ذكرى تاريخية تحل على الجزائر، يفرض ملف العلاقات بين الجزائر الدولة السيدة المستقلة، أو “المستعمرة السابقة”، و”فرنسا الاستعمارية” نفسه، ويعود الحديث عن علاقة المد والجزر التي ظلت تربط الطرفين لسنوات عديدة، وعن حقيقة وإمكانية الرقي بهذه العلاقات بعيدا عن الإرث الاستعماري والجانب التاريخي. سنوات الفتور، خاصة في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، أثرت حتى على حجم “التواجد الفرنسي” بالجزائر من حيث عدد الشركات والمقيمين، برودة وفتور يأمل في أن ينتهي بالنسبة للطرفين، لكن حجر العثرة لم يتم استبعاده من الطريق، ولم يتم تعبيده أمام علاقات جزائرية- فرنسية جيدة وفق ما يتطلع إليه الجانبان، وهو الاعتراف بالجرائم المرتكبة والكف عن تبييض صفحة الاستعمار. لكن الملاحظ مؤخرا أن العلاقات الثنائية بدأت “تتزحزح” نحو الأفضل مقارنة بالسنوات الأولى من رئاسة نيكولا ساركوزي، نتمنى أن تكون عودة حقيقية وليست مرتبطة بأجندة سياسية وتقدم للاستهلاك هناك وهنا، وظهر ذلك بشكل ملحوظ عقب الزيارات الأخيرة للمسؤولين الفرنسيين، وعلى رأسهم الأمين العام للرئاسة الفرنسية، كلود غيان، وبعده وزيرة العدل، ميشال اليو ماري، والتي أعلن خلالها رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أن “العلاقات بين الجزائروفرنسا على ما يرام”، ويعد التصريح الرسمي دليلا على ما يرجح أن يكون اتفاقا ضمنيا بين الطرفين على “التنازل سويا” من أجل “الرقي سويا” ووضع الملفات التي لا يمكن حلها راهنا على الجنب، وقد يكون الطرفان قد اتفقا على “تنازلات” كعربون حسن نية من أجل بناء علاقات بالشكل المراد من الطرفان. العلاقات الجزائرية - الفرنسية قد تكون أسوأ فتراتها خلال عهدة ساركوزي، وتولي برنار كوشنير حقيبة وزارة الخارجية، على اعتبار أن مختلف تصريحاته تستفز بشكل وآخر الجزائريين، وفي كل مرة تعصف بمحاولات تجاوز العراقيل وتحسين العلاقات، والتي أضحى عامل الزمن فيها أكثر من مهم، فباريس لم تخف تخوفها من أن تتمكن قوى غربية أخرى من تبوؤ أفضل المراتب في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الجزائر، بينما ترى نفسها “الأولى” بالأفضلية، بحكم القرب الجغرافي والإرث المشترك، لكن الملاحظ في بعض “التصرفات” الفرنسية، أن هذه الأخيرة ترغب في علاقة “على المقاس” مبنية على منطق المستعمر، تأخذ أكثر مما تعطي، فالنبش في ملفات قديمة مثل رهبان تيبحرين واتهام مدير التشريفات بوزارة الخارجية، حساني زياني، بالضلوع في قضية مقتل المحامي علي مسيلي، بعد انقضاء عشرين سنة على الحادثة، والتحذيرات الأمنية المتكررة مع تصنيف الجزائر بلدا خطيرا، تسببت في قطع خيط آخر بين البلدين بدلا من توثيقه. وكانت الجزائر قد احتجت على بعض التصرفات، وربما كان “أكبر” احتجاج، “تراجع” الرئيس بوتفليقة عن زيارته إلى باريس التي قيل بشأنها الكثير، وقد تكون الزيارات المتتالية ل”مراسيل” ساركوزي، دليل على تخوف فرنسا من خسارة الجزائر كسوق واعدة ومن عدم دعمها ومشاركتها في المشاريع في المتوسط، مثلما هو الشأن بالنسبة لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط، الذي لم يتمكن ساركوزي من تجسيده على أرض الواقع رغم اقتراب “مغادرته” الحكم. وتكون فرنسا قد أثبتت مؤخرا، من خلال رسائلها المتكررة إلى الجزائر رغبتها في بعث علاقات دبلوماسية على الدرجة المرغوب فيها، وقد يكون في إبعاد “مؤزم العلاقات” برنار كوشنير، “عربون حسن نية”، بعد سحب ملف العلاقات مع الجزائر منه، وتكليف جون بيار رافاران، رئيس الحكومة الأسبق بإدارته. وبعد سنوات من الفتور والجمود، يظهر أن الطرفين قد قررا “التنازل” من أجل بلوغ الهدف المنشود، ففي الوقت الذي برأت باريس ساحة حساني زياني من الضلوع في قضية مقتل علي مسيلي، وضعت السلطات السياسية في الجزائر مشروع قانون تجريم الاستعمار على جنب ل “اعتبارات دبلوماسية” لا يفهمها عامة الشعب الذي لم يمح بعد ما اقترفته فرنسا ضد ذاكرته، وليسأل ضحايا الألغام المضادة للأفراد وضحايا التجارب النووية ومحارق الظهرة عما فعلته فرنسا التي ترغب في أن تمحي ماضيها الاستعماري المشين وتقفز على السلم، وتبني المستقبل دون أن تجد حلا لصفحة الماضي، ولعل ارتفاع درجة عدائية فرنسا للجزائريين في السنوات الأخيرة دليل على توجه ساركوزي ونظرته الحقيقية للجزائر.