إذا أرادت إسرائيل أمرًا فعلته بشتى السبل والوسائل، سرا أو جهرا، عاجلا أو آجلا، أما إذا أراد غيرها أمرًا هي لا تريده، لا يتم مهما كانت الضغوط، وبهذا النوع من الفوقية في السلوك السياسي والعسكري تربى جيل كامل من السياسيين والمستوطنين، في مناخ من التدليل المفسد الى حد العصيان كل ذلك لأن المجتمع الدولي أعطاها الفرصة كاملة لترتكب كل أشكال التمرد على القانون الدولي، بل واصطناع قوانين محلية تعرقل أي قانون دولي. رغم أن المفترض أن القانون الدولي يتقدم على القوانين المحلية في أي بلد باعتبار أن القانون الدولي هو الذي يحفظ أمن واستقرار العالم ويكف يد العدوان عن المعتدى عليهم، إلا في حالة إسرائيل التي ترتكب العدوان بشكل سافر وبشتى السبل غير المشروعة ثم تجد من يناصرها ويبرر لها تلك التصرفات المشينة، وفي أفضل الحالات تسكت المنظومة الدولية عن التجاوزات الإسرائيلية فتكون بمثابة الشيطان الأخرس. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تبادر الولاياتالمتحدة في كل محاولة لمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي بمغازلة النهم الإسرائيلي الى الدعم المادي والمعنوي واللوجستي، فتبدي قبولا للمطلب الأمريكي مرحليا حتى تحصل على ما تريده ثم تدير ظهرها لواشنطن انتظارا لإدارة جديدة تأتي فتقدم مزيدا من الرشاوى لإنجاز تقدم ما في ملف الشرق الأوسط، سرعان ما تحبطه إسرائيل بالنكوص عن التزامها بالتنفيذ. وقد طالت المدة كثيرا على المنظومة الدولية وفي مقدمتها اللجنة الرباعية الدولية في محاولاتها الخروج من إسرائيل بتنازل في أي ملف سواء الاستيطان او الجلاء عن الاراضي المحتلة او تخفيف الحصار على الشعب الفلسطيني أو وقف الاعتداءات عليه وعلى ممتلكاته دون التوصل الى حسم لأي قضية تطرح خارج الشروط الإسرائيلية التي يتم توليدها حسب مقتضى الحال، وكلها تستهدف حشر العصي في دواليب العملية السلمية. وقد سحبت الحكومة الإسرائيلية الحالية من أدراج مكاتبها مشروعا قديما او بالأحرى لعبة لعبتها اكثر من مرة من قبل وهي الإيحاء بعدم قدرة الحكومة على تنفيذ قرارات الأممالمتحدة بشأن الانسحاب الكامل وغير المشروط من الجولان السوري المحتل الذي تم ضمه الى إسرائيل عام 1981 بعد احتلاله في العام 1967، مما يفرض طرح مسألة الجلاء عنه لاستفتاء عام . فهل يمكن استفتاء السارق في مدى رغبته في التنازل عن المسروقات لأصحابها؟ إن القانون، فيما نعلم، لا يقر هذا السلوك المعيب، لكن كما سبق الإشارة فإن في حالة إسرائيل ثمة استثناء من كافة القوانين الدولية. واليوم ينتشر في الجولان نحو 20 ألف مستوطن يبدون مدنيين ولكنهم في الحقيقة عسكريون مسلحون وعدوانيون فهل إذا تم استفتاؤهم سيوافقون على الجلاء عن أرض عاشوا فيها قرابة نصف قرن؟ مستمتعين بمياه بحيرة طبرية ومزارع الجولان الخصبة؟ وهل يطول صمت المجتمع الدولي على هذه التجاوزات. إن تفعيل القانون الدولي هو الحل الوحيد لتحرير الجولان وليس الاستفتاء، ولدى السوريين نفس طويل للمقاومة وعدم التنازل عن قطرة مياه أو شبر من الأرض المحتلة، وليحسب العالم أولا كم خسر منذ احتلال إسرائيل للأراضي العربية كي يقتنع بأنها سبب كل مصيبة.