يتأسف الفنان القدير صادق جمعاوي، في هذا الحوار الذي جمعه ب”الفجر”، على الوضع المأساوي الذي أصبح عليه الوسط الفني عندنا، في ظل تمسك عدد من الأشخاص الذين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالفن والفنانين -حسبه - بدءا من القائمين على التظاهرات الفنية الكبيرة، وصولاً إلى القنوات التلفزيونية التي ”أصبحت تسبح طوال أيام السنة ببعض المتطفلين على الوسط الفني، فيما تعمل على إقصاء الفنان الحقيقي الذي ظلّ وفيا لهذا الوسط ولم يلوثه بالأغاني التجارية”.. يلاحظ متتبعو النشاطات الفنية التي تقام طوال أيام السنة هنا وهناك، غياب اسمك عن مختلف الحفلات والتظاهرات الفنية، هل لك أن تفسر سبب غيابك عن الوسط؟ أنا لست غائبا، بل متواجدا في الساحة الفنية منذ ما يزيد عن 20 سنة، ولكنني مُغيب بالتأكيد، شأني شأن عدد معتبر من الفنانين الآخرين الذين اختاروا عدم الدخول في دوامة الأغنية التجارية، والظهور في المناسبات الوطنية والرياضية بأفراحها وأحزانها. ما أسباب هذا التغييب برأيك؟ السبب أصبح معروفا لدى العام والخاص. اليوم ونحن مع مطلع السنة الجديدة لازلنا نشاهد كمشة من أشباه الفنانين هي من تتربع على الساحة، سواء من خلال الحفلات أو من خلال الإستضافة في مختلف المحطات الفضائية للتلفزيون الجزائري. إنها مشكلة برمجة، فالقائمون على تنظيم مختلف التظاهرات والمناسبات لا يعترفون إلا بالذي يأتي ليقدم لهم أغاني مسروقة اللحن والكلمات، أما الفنان الذي يحترم نفسه وفنه وجمهوره فلا مكان له وسط هؤلاء. ومع هذا أنت موجود في ذاكرتنا، خاصة ما قدمته في السنوات ال20 الماضية، أو أكثر، ويحفظ الجيل الجديد هذه الأغاني عن ظهر القلب أيضا؟ بالتأكيد؛ ولعل هذا السبب هو الذي يجعلني وغيري من الفنانين الجادين نواصل في بعث والمحافظة على الأغنية الجزائرية الأصيلة بمختلف طبوعها، فنحن كما قلت ورغم تقديمنا لأغاني قديمة بريتم جديد كما حدث مع أغنية ”جيبوها يا لولاد” مثلاً، إلا أننا نجد أن هذه الأغاني هي محبوبة ومطلوبة بكثرة ويحفظها البعض عن ظهر القلب. والسبب برأيك؟ رغم الإمكانيات القليلة التي كانت لدينا في ذلك الوقت؛ إلا أننا قدمنا فنا نظيفا ومحترما يعبر عن طبيعة الشعب الجزائري وعن أصالته، أما اليوم وللأسف الشديد كل شيء متوفر لهذا الجيل من الفنانين إلا أنهم اختاروا طريقا معوجا لنيل الشهرة، هذه الطريق والأساليب جعلتنا نحن نتأسف لوضع الأغنية الجزائرية حالياً. والمؤسف في كل هذا هو أن نجد كل المؤسسات والمبرمجين يسارعون للتعاقد مع هؤلاء.. متناسين الفنان الحقيقي الذي لا يقبل بأي حال من الأحوال أن يسكت عن تردي حال الفن الجزائري. هل تقصد بكلامك هذا موجة المطربين الذين ظهروا مؤخراً مع تسونامي الأغنية الرياضية التي أعقبت انتصارات ”الخضر” في السنتين الماضيتين؟ أنا لا أقصد هؤلاء جميعاً، لأننا شهدنا ميلاد عدد من الفنانين الذين قدموا أغان رياضية جميلة انتعشنا على وقعها وفرحنا لأيام وليالي وأسابيع، ولكنني أقصد أشباه الفنانين والمتطفلين على الوسط الذين يدركون بينهم وبين أنفسهم أنهم والفن خطان متوازيان لن يلتقيا أبداً، ولكن ومع ذلك لازالوا يفرضون أنفسهم بفضل الوساطة التي يتمتعون بها، على الجمهور، سواء في النشاطات الفنية العادية التي تقام في مختلف المدن الجزائرية أو في الخارج، مرورا بفرض أنفسهم على المشاهدين في مختلف البرامج التي تعرض على قنواتنا التلفزيونية. هذه النظرة العميقة منك على واقع الفن عندنا، وتفشي ظاهرة مطربي الأغاني التجارية.. من يقف وراءها برأيك؟ لا يمكنني أن أقول إن فلان هو وراء هذه المشكلة وتلك، ولكنني أدعو إلى استقالة كل الذين يسيرون النشاطات الفنية عندنا ولم يقدموا أي جديد للوسط.. لقد أصبح من غير المقبول أن يسيّر من لا علاقة لهم بالثقافة والفن ذوق حوالي 40 مليون جزائري.. إنه عيب كبير أن يمتلك الوسط الفني الجزائري ما يزيد عن 5 آلاف فنان، وحين تبحث في النشاطات الفنية التي تقام طوال أيام السنة إلا 20 فنانا يكررون أنفسهم علينا في كل مرّة وكأنهم ببغاوات.. وكما يقولون الحديث قياس. الكل يتساءل على ماذا يشتغل المطرب المحبوب والفنان القدير صادق جمعاوي في الوقت الحالي؟ حاليا أحضر مع نخبة من المطربين الجزائريين لإعادة أغنية قديمة لي كنت قد قدمتها منذ حوالي عشرين سنة، تتحدث عن محو الأمية، وتشجيع القراءة والتعليم للجميع وخاصة فئة كبار السن الذين لم يوفقوا وهم صغار في الحصول على تعليم، والأغنية هذه ستنزل وتوزع بمناسبة احتفال جمعية ”إقرأ” بذكرى تأسيسها في ال8 من شهر جانفي الجاري. ومن سيشاركك في إعادة هذه الأغنية؟ هناك مجموعة من الفنانين المحترمين الذين أعتز بوجودهم في الوسط الفني، من بينهم الفنان القدير عبد المجيد مسكود، بن زينة، فؤاد ومان، ندى الريحان، وغيرهم. لماذا أعدت أغنية من أغانيك القديمة ولم تقم بتسجيل أغنية جديدة؟ في الحقيقة هذه الأغنية ورغم شهرتها الكبيرة طوال السنوات الماضية، إلا أنها أصبحت مغيبة في الوقت الحالي رغم أنها أغنية هادفة وجب الترويج لها في الأوساط التربوية والشعبية، وهي سجلت منذ 20 سنة في ظروف أقل ما يقال عنها أنها صعبة جدا، لهذا كانت لديّ دائما رغبة في إعادتها بروح جديدة بما أن الوسط الآن لم يعد كالسابق، وهناك وسائل جد متطورة قد تعمل على انتشارها أكثر وأكثر.