كشف صادق جمعاوي في هذا الحوار عن الإرهاصات التي ساعدت فرقة البحارة على نجاحها خلال سنوات الثمانينيات، كما تحدث عن القيم الأخلاقية والأهداف السامية التي تحملها الفرقة من خلال تطرقها إلى المواضيع الحساسة التي تخدم المجتمع· وقد أكد جمعاوي في حديثه أن الفنان سفير لبلده، وعليه أن يتشبع بقدر واسع من الثقافة، كما سلّط جمعاوي الضوء على الفنانين وأشباه الفنانين الذين ساهموا في تزايد نسبة الرداءة· ساهمت فرقة البحارة خلال سنوات الثمانينيات في إثراء المشهد الثقافي الجزائري، كما أنها توسعت شعبيتها وكانت أكثر طلبا في أوساط الجمهور، غير أنه وللأسف الفرقة اختفت فجأة، فأين البحارة من هذا الغياب؟ بالفعل فرقة البحارة كان لها تألق مميز في سنوات الثمانينيات ويتجسد ذلك من خلال الضجة الفنية والموسيقية التي أحدثتها أغانيها، فمثلا أغنية ''ألف شكر يا أستاذي'' أو ''جيبوها يا لولاد '' كان يرددها الصغير والكبير، وهو الأمر الذي يدل على نجاح الإصدار والفنان معا، ثم أن فرقة البحارة لم يكن هدفها الوحيد الغناء وحسب وإنما كانت تحمل أهدافا سامية للرفع من مستوى المبادئ والقيم الأخلاقية، وبما أن الفنان يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة أمام جمهوره، فعليه أن يكون الموجه والمربي والمرشد وإلا ينسحب ويترك قضية الفن لأصحابها، أما بالنسبة لغياب فرقة البحارة فأصنفه ضمن الأسباب التي أثرت على كل شيء بالجزائر سواء كان اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا، وعليه العشرية الدموية أثرت بشكل سلبي على فرقة البحارة وأجزم القول أنه ليس من ناحية العطاء وإنما من ناحية إحياء الحفلات، وبما أنني فنان وأحمل مشاعر نبيلة، فلم يكن بإمكاني أن أضحي بجمهوري وأقدمهم كقربان لأيادي الغدر، غير أنه ما يمكنني قوله أن في هذه الفترة سجل أكبر عدد من الأغاني سواء كانت اجتماعية أو وطنية وسياسية، وللعلم فإنني ضحيت بحقوقي المادية، غير أنني لست نادما على أي شيء ما دمت خلقت لخدمة الفن· هل يمكن القول أن فرقة البحارة لها نفس التوجه الذي تسير عليه فرقة جيل الجيلالة؟ إن الحديث عن فرقة جيل جيلالة يقودنا للحديث عن الفن الجميل ذي الأسلوب الراقي في تناول الأحداث، فهذه الفرقة تعتبر من أقوى الفرق من حيث الأداء والحضور والشيء الجميل الذي يميزها أنها تملك توجهات سياسية معارضة للسلطة وللنظام الملكي الذي كان يمارس على شعبه سياسة العنف والاضطهاد، في حين فرقتنا كانت تؤدي الأغاني التربوية ذات اللمسات التوجيهية، كما كنا نتناول الموضوعات التي تثير حفيظتنا وهدفنا من وراء ذلك دائما تنوير عقول الجمهور، ومن أهم مواضيع الأغاني التي تطرقنا إليها، كانت حول المخدرات، البيئة، حقوق المعلم والسبب في هذا الاختيار يرجع إلى أن الفنان مرآة مجتمعه· ما يلاحظ في السنوات الأخيرة أن المهمة النبيلة التي كان يتمتع بها الفنان تغيرت، وأصبحوا ماديين أكثر من شيء آخر، لماذا برأيك؟ بالفعل هذا صحيح، ما لاحظناه أن مهمة الفنانين تغيرت عما كانت عليه في السابق، والسبب في ذلك هو التراجع الثقافي للفنان، حيث أن السواد الأعظم من الفنانين لا يتمتعون بثقافة لائقة، وبما أن فاقد الشيء لا يمكنه أن يعطيه، فكيف لفنان مثل هذا النوع أن يساهم في إثراء المشهد الثقافي أو يساهم في توجيه الرأي العام، وأعتقد أنه على الفنان أن يكون موسوعة علمية وثقافية متنوعة، كما يجب عليه أن يواكب كل الأحداث سواء كانت وطنية أو دولية، والأكثر من ذلك أن مهمته أيضا التعرف على الاتجاهات السياسية الموافقة والمعارضة لبلده، ومن تم يمكن أن يكون هذا الفنان خير سفير لبلده ولوطنه وقد يكون هذا الفنان ملاكما إذا طعن في شرف بلاده، ثم أنني أتأسف لحال بعض الفنانين الذين تستضيفهم التلفزة الجزائرية ويتحدثون عن أشياء تافهة، معتقدين أن مهمتهم هي البروز لتقديم الأشياء التي لا معنى لها ويتم ذلك في غياب الرقابة البرمجة، وبهذه الطريقة أؤكد أن الإعلام بطرقه المتعددة يساهم بطريقة مباشرة في تشجيع وتفعيل الرداءة ويتم ذلك من خلال تلميع ذلك شبه الفنان على أنه المميز في الأداء والصوت والغناء، غير أنني أجزم أنه لا يصح إلاّ الصحيح· سبق وأن قلت أن هناك فنانا وهناك شبه فنان، فكيف تفسر لنا ذلك؟ أعتقد أن هذه التفرقة صنعها الإعلام، حيث هذا الأخير هو من ساعد أشباه الفنانين على الظهور، وبالتالي حجبت الرداءة على الإبداع والفن الحقيقي وبرأيي حتى نتخلص من أشباه الفنانين علينا أن نقوم بعملية سبر الآراء عن هؤلاء الفنانين وأعتقد أن الجمهور هو خير حاكم لتفريق بين الفنان وشبه الفنان· صادق الجمعاوي من الأغنية الوطنية والتربوية إلى الأغنية الرياضية، كيف كانت التجربة؟ بما أنني كنت رياضيا وأمارس العدو، هو ما شجعني على أن أفكر في أداء الأغنية الرياضية، إلى جانب ما دفعني أكثر للغناء عن الرياضة هو تأهل الفريق الوطني في سنة ,1982 وبما أنه كانت تربطنني علاقة حميمة مع الأحباب وكل من الأصدقاء بلومي وماجر وكويسي قمت بأداء أغنية ''جيبوها يا لولاد''، كما أنني تفننت في أدائها وللعلم أن الأغنية تلقت نجاحا كبيرا بعد أن شاركت في مهرجان الأغنية الرياضية بالمكسيك، ومن تمة كانت انطلاقتي نحو الأغنية الرياضية وبصفة رسمية· بما أنك تؤدي الأغنية الرياضية، فهل من تحضيرات جديدة للفريق الوطني؟ والله الفريق الوطني شرّفنا، حيث أثبت جدارته في كل الخطوط وتأهل لكأس إفريقيا وفي الأيام القليلة القادمة سيشارك في كأس العالم وهذا التألق يدفعني أكثر لتحضير الكثير من المفاجآت· علمنا أنك تحضر ألبوما غنائيا جديدا وباللغة الفرنسية، فكيف جاءت الفكرة؟ إن فكرة إقصائي تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية هو الشيء الوحيد الذي أشعل في أعماقي ثورة الغضب، كما أنني شعرت بتهميش حاد خاصة وأنني أقصيت للمشاركة للغناء في الألعاب الإفريقية، فكل ذلك دفعني إلى أن أغني بالفرنسية، وسأشارك في تظاهرات عالمية ثم أنه ليس لدي عقدة من الفرنسية، وأعتقد أن الفنان لابد أن يغني بجميع اللغات لإيصال رسالته النبيلة وبهذا الألبوم سأخوض التجربة العالمية، كما أنه بالمستقبل القريب سأغني لأطفال العراق ولأطفال العالم، كما سأغني للحروب التي خلّفت الدمار وهددت الإنسانية، سأغني للبيئة وكل ما يتعلق بالوجود· وكيف يقيم صادق طابع موسيقى القناوي؟ القناوي كلام مقدس ويجب أن تكون الفرقة التي تؤدي هذا النوع من الغناء على طهارة تامة· ما هي رسالتك للمسؤول الأول عن الثقافة بالجزائر؟ أدعو للالتفات إلى كل الفنانين الذين هم على فراش المرض لأن الاعتناء بهؤلاء مكسب ومرجع للثقافة الجزائرية، وعليه الثقافة تربح أكثر مما تخسر·