تفشّت ظاهرة الاستدانة مؤخرا بشكل كبير، وصار الناس يقترضون لمجرد أن تقع أبصارهم على شيء يرغبون في شرائه نظرا لوفرة السلع، التي باتت تغريهم بتنوعها وطرق عرضها وحتى بأسعارها في بعض الأحيان ما أدخل الكثير منهم في دوامات كانوا في غنى عنها الكثير من العمال لا يحسنون تسيير ميزانيتهم وفق مدخولهم الشهري أو لا يصرفون وفق مقدورهم، فكثيرا ما تنطلق شكاواهم بعد أسبوع من بداية الشهر، والكل يقول “دراهم هذه الأيام رُفعت منها البركة” أو”الشهرية مرْبية” ما يدفعهم إلى دخول دوامة الديون، فهناك من يقترض من أجل تسديد فاتورة الماء والكهرباء، أو من أجل شراء أدوية أو لإجراء عملية جراحية وهو أمر وارد على الرغم من أنه من المفروض أن يحسب لها مسبقا بادخار جزء من الراتب لمثل هذه الأيام الصعبة، وهناك من يقترض لاقتناء بعض الكماليات من أجل التباهي فقط، الأمر الذي أدى إلى تراكم الديون لدى الكثيرين. ولا يخفى على أحد ما تسببه كثرة الديون من حالة الاكتئاب والضيق النفسي للدائن، بالإضافة إلى الحرج الذي يقع فيه إن لم يستطع تسديد المبلغ في الموعد المتفق عليه، وكثيرا ما نسمع عن نشوب شجار بسبب الدين، وقد تصل الى الانتحار والطلاق، وتعاطي الخمور والتدخين. وفي هذا الصدد، تقول “ش.ع” موظفة في شركة خاصة، إنها لا تقوم بالاستدانة وتصرف على قدر دخلها الشهري. وبالمقابل، فإن الكثير من زملائها في العمل يستدينون منها. وهي في هذا الصدد تقول “بحكم معرفتي بطبيعة زملائي، أعرف من يلتزم بإرجاع المال في الوقت المتفق عليه ومن يتهرب فأقرضه أو أمتنع، كما أني أسأل إن كان في مأزق أو مشكلة حقيقية”، لأنه في رأيها هناك من يقترض لدوافع لا تستدعي “توريط” الذات في متاهة الاستدانة كتغيير أثاث المنزل أو طلاء الجدران، كما أن هناك من يستدين وهو ينوي مسبقا عدم إرجاع المال، ما يخلق نوعا من العداوة بين زملاء العمل. وتعرف ظاهرة الاقتراض تزايدا في مواسم معينة بحكم كثرة المصاريف على غرار موسم الصيف والدخول الاجتماعي، وفي هذا الشأن أخبرتنا الآنسة “ف.ش” أن الكثير من العمال لا يتمكنون من التوفيق بين المصاريف المتزايدة أثناء بعض المناسبات الاجتماعية، حيث تكثر مصاريفهم في شهر رمضان والعيدين وكذا الدخول المدرسي فيستدينون من أجل شراء الأضحية أو لشراء ملابس العيد للأطفال، كما يلجأون للاقتراض بغية اقتناء الأدوات المدرسية وتأمين احتياجات أبنائهم، فضلا عن توفير مصاريف الدروس الخصوصية التي لم تعد حكرا على تلاميذ السنوات النهائية بل تعدّتهم إلى تلاميذ الابتدائي لا لشيء سوى لأن ابن الجيران يتلقى دروس الدعم (!؟) وأضافت ذات المتحدثة أن المصاريف تزداد في مواسم الأعراس كما تزداد معها ديون العائلات، خاصة وأن الكثير من النسوة لا تذهبن لحفلة زفاف إلا بعد اقتناء كل ما تحتاج إليه من أجل التباهي أمام الجارات والأقارب ولا يهدأ لها بال إلا بعد أن تشتري أكبر وأغلى هدية. ومع انتشار مثل هذه الذهنيات بين النساء أدخل أزواجهن في دوامة الديون غير المنتهية. وأشارت محدثتنا إلى أن الناس في الريف والمدينة يختلفون في الطباع من حيث المساعدة وروح التضامن، وضربت لنا مثالا بمناسبة اجتماعية في الريف، حيث يتعاون الأهل والأقارب في التغلب على المصاريف الكثيرة، في حين يتحمّل صاحب المناسبة في المدن الكبرى كل الأعباء وحده ما يضطره إلى الدخول في دائرة الديون، وغالبا ما يلجأ إلى الاقتراض من الزملاء أو الأصدقاء. من جهة ثانية، فإن الحياة العصرية بمشاغلها الكثيرة صارت تفرض على الناس الوقوع في الديون رغما عنه مثل أزمة البطالة والسكن التي تحاصر الكثيرين. وفي هذا السياق أخبرنا السيد “م.س” أنه يريد كراء منزل قريب من مكان عمله، إلا أن أغلب الوكالات العقارية التي قصدها طلبت منه دفع مبلغ الإيجار مسبقا، ونظرا لضخامة المبلغ فهو مضطر للاستدانة بل وجمع المال من عدد من معارفه. في حين يلجأ البعض الآخر إلى الشراء بالتقسيط وهو فخ آخر يقع فيه الكثير ولا يستطيع تسديد الأقساط المطلوبة في الوقت المحدد، فيضطر إلى الاقتراض من جديد لتسديد الدين الأول. من جهة ثانية، تجدر الإشارة إلى أن أغلب المقبلين على الزواج يغرقون في الديون من أجل إتمام مراسيم العرس، فالرجل يستدين من أجل تقديم المهر وبعض الهدايا للعروس وتأمين مصاريف العرس، من جهتها تقوم الفتاة بالاقتراض لخياطة وشراء بعض مستلزمات الجهاز. تقول الآنسة “خ.ب” التي لم يتبق على حفل زفافها سوى ثلاثة أشهر إنها استدانت مؤخرا مبلغ 10 ملايين سنتيم لشراء بعض المقتنيات المهمة مثل أحذية السهرة، وبعض الفساتين، موضحة أن أسعار ملابس العروس غالية جدا وحتى هذا المبلغ لم يكفها لكل ما تريد شراءه، وراحت تعلق قائلة “لم أتخيّل أن تكون تكاليف الجهاز باهظة لهذا الحد، ومصاريف حفل الزفاف لا تزال في انتظاري، أين مبلغ كراء الصالة، ومصاريف إعداد الحلوة، وبطاقات الدعوة...”؟؟