تشهد أسعار الماشية بمختلف أسواق ولاية النعامة انخفاضا جد ملحوظ وصل على درجة بيع الشاة ب6500 دينار، ما أثار قلق الموالين في ظل تضاعف التدهور الفظيع الذي تشهده المناطق الرعوية بفعل الجفاف الذي ضرب المنطقة خلال هذا الموسم. وأدت هذه الوضعية إلى هلاك العديد من القطعان بعدما عجز مالكوها عن مدها بالأعلاف المطلوبة بسبب غلائها، حيث وصلت أسعار الأعلاف في بعض الأسواق الموازية والتي تحتكر هذه المادة الأساسية إلى 3250 دينار للقنطار، رغم الدعم الذي توفره الدولة للتموين بالشعير الذي يغطي 60 بالمائة فقط من مجموع رؤوس الماشية. وتشير جميع التقارير بما فيها تأكيدات العارفين بخبايا القطاع من الموالين وممتهني حرفة تسمين الماشية، بأن ثلث مساحة ولاية النعامة أقبرتها الرمال، فيما أصبحت 80 بالمائة من الأراضي الرعوية غير مؤهلة لتربية الماشية. وبمقابل ذلك فشلت أغلب برامج التصدي لظاهرة التصحر، بفعل الرعي الجائر الذي امتد إلى المساحات الغابية، سيما ببلدية القصدير ومدخل بلدية مكمن بن عمار، حيث لاحظنا قطعانا من الأغنام والأبقار تلتهم الشجيرات حديثة الغراسة أمام مرأى ومسمع الجميع بما فيها محافظة الغابات. ويبرر الموالون هذا الخرق العلني بالالتهاب الحاد في الأسعار وتضاعف تكاليف التسمين والتهاب أسعار أدوية تلقيح الماشية، كما أن ظاهرة الحرث العشوائي للأراضي الرعوية المنتجة بحجة الاستصلاح الفلاحي، ساهمت في تحديد المساحات الرعوية، ما جعل بعض الموالين يهددون بالتخلي عن هذه المهنة والانضمام قصرا إلى الشبكة الاجتماعية، حيث رفعوا نداء استغاثة إلى المسؤولين لإدخال إصلاحات واسعة على القطاع وتشجيع الموالين لمضاعفة الإنتاج، وحماية هذه الثروة المهمة من الزوال وقطع الطريق على السماسرة والمهربين. وأشارت تلك الفئة إلى ضآلة حصص الدعم من مادة الشعير التي خصصت للولاية، فحسب أحد كبار موالي النعامة فإن أكثر من 30 بالمائة من الموالين خفضوا رؤوس الماشية وفضلوا عرضها للبيع لأصحاب محلات الجزارة بأسعار زهيدة لتغطية المتطلبات المتزايدة من الأعلاف وأدوية التلقيح التي أضحت نادرة في الأسواق المحلية. وحسب عدد من الموالين الذين تحدثت إليهم “الفجر” بالسوق الأسبوعي لمدينة المشرية، فإن سبب الندرة يعود إلى حرمان بعضهم سيما الرحل من التموين بمادة الشعير المدعم من قبل الدولة والمخصص لهم بمبلغ يصل إلى 1550 دينار للقنطار الواحد، على اعتبار أن ملف الاستفادة يضم بطاقة الموال وشهادة التلقيح الإجبارية. ومن المفارقات أنه رغم انخفاض أسعار الماشية، إلا أن أسعار اللحوم ازدادت التهابا وهي معادلة ذات أكثر من مجهول لا يحسن ترتيبها وحلها إلا أصحاب مهنة التسمين والربح السريع، حيث بلغ سعر الكلغ من اللحم نحو 750 دينار في أسواق بن عمار البيوض وبقية البلديات الواقعة جنوبا، ما يؤكد الوضعية الكارثية التي آلت إليها تربية الماشية التي تبقى في وضع حرج، حيث يبقى أكثر من مليون و200 ألف رأس من الماشية بالنعامة مهددة بالانقراض، ما لم تتخذ إجراءات مشجعة لإنقاذ هذه الثروة الثمينة والتي تبقى محل أطماع دول الجوار وغيرها، لما تتميز به لحوم أغنام النعامة من جودة عالية ومذاق لا يضاهى. وتجدر الإشارة إلى ظاهرة النزوح الريفي الذي طوق مدينة المشرية، حيث نصب بعض الموالين من البدو الرحل خيمهم على شكل محتشدات بمداخل المدينة، بعدما طردهم الجفاف والعوز، ورغم محاولات السلطات المحلية لإبعادهم عن مدخل المدينة، إلا أنهم تشبثوا بهذه المنطقة رغم خطورتها لكونها غير بعيدة من الطريق الوطني رقم 6 ويحاصرها خط السكة الحديد، حيث تسببت الكلاب والحيوانات الضالة الوافدة من هذه المنطقة في عدة حوادث مرورية، إلى جانب رعيهم على حافة الطريق رغم الخطورة التي قد تطال هؤلاء الرعاة ومستعملي الطريق.