في كل مرة يكون الحديث عن حراس المرمى إلا ويصعب الاختيار، ليس بسبب وفرتهم ولكن لأن أكثر المدربين يعمدون إلى إشراك حارس حتى ولو لم يكن في أفضل لياقة، لأن الوضع الحالي في هذا المنصب مرادف ل”الندرة” “الفجر” أعادت فتح ملف حراس المرمى في الجزائر وتساءلت لماذا لم يعد الحارس في المنتخب الوطني يعمّر لأكثر من سنة مثلما كان يحدث في فترات خلت؛ ونقلت الانشغال إلى أهل الاختصاص من حراس مرمى سابقين ومدربي حراس حاليين. وإن تباينت إجاباتهم، إلا أن أغلبهم شدّد على غياب التحضير في الأندية وانعدام الانضباط الذي ربطه بعضهم بعدم إعطاء أهمية لهذا الجانب من قبل المكونين. وقبل أن نخوض في الموضوع، نعرّج على تاريخ الحرّاس المتعاقبين على عرين الفريق الوطني منذ الاستقلال. تداول على منصب حراسة عرين المنتخب الوطني العديد من الأسماء منهم من ما يزال في الذاكرة ومنهم من مر مرور الكرام ووضع في طي النسيان، وبين هذا الطرف وذاك فيما يلي رحلة مع التاريخ الطويل لحراس المرمى الذين تداولوا على حراسة شباك “الخضر”: ناصو أول حارس للجزائر المستقلة يقول التاريخ إن أول مواجهة لعبها “الخضر” في تاريخ الجزائر المستقلة كان ضد نادي أولمبيك نيم الفرنسي بتاريخ 16 أكتوبر 1962 بوهران، وبغض النظر عن النتيجة التي خسرناها 1 2 فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الحارس ناصو سبق الجميع وهو من كان أول حارس يلعب للمنتخب الجزائري ولو أنه لم يكمل المباراة، حيث استغل المدرب عبد القادر فيرود الطابع الودي لتلك المباراة التاريخية ليمنح الفرصة لزميله داي الذي دخل كبديل له في المرحلة الثانية.
بوبكر ... أو الحارس المخضرم تمكّن الحارس بوبكر من نقش اسمه بحروف من ذهب، كيف لا وهو الذي حمل الألوان الوطنية خلال حقبة الاستعمار مع الفريق التاريخي لجبهة التحرير الوطني ثم بعد الاستقلال حيث شارك في أول مباراة دولية ودية ضد بلغاريا يوم 6 جانفي 1963 وبقي محافظا على مكانته كأساسي طيلة النصف الأول من الستينيات. كريمو وناصو تقاسما أثقل نتيجة إذا كانت الجزائر قد حققت أكبر فوز لها ضد اليمن بنتيجة 15 – 1 يوم 17 أوت 1973 لحساب كأس فلسطين بطرابلس الليبية، فإن نقيض ذلك كان بتاريخ 17 أوت 1967 في بودابست ضد المنتخب المجري الذي قصفنا بنتيجة 9-2 تقاسمها الثنائي ناصو وكريمو اللذين تداولا على لعب المواجهة الأسوأ في تاريخ الجزائر. زرڤة مر من هنا يحفظ تاريخ “الخضر” في الستينيات اسم الحارس زرڤة، الذي تمكّن من فرض نفسه ما مكّنه من لعب العديد من المواجهات الدولية الكبيرة أهمها عند استقبالنا للمنتخب البرازيلي يوم 17 جوان 1965 بوهران، حيث صمد أمام الأسطورة العالمية بيلي ورفقائه ورغم خسارتنا بثلاثية نظيفة إلا أنها تعد أحسن مباراة له بينما الأسوأ كانت بملعب 20 أوت يوم 26 ماي 1965 ضد سانت ايتيان حين تلقى رباعية كاملة سجلت كلها في الشوط الثاني. عبروق أول لاعب كرة يفوز بجائزة أحسن رياضي تشرف الحارس عبروق محمد بلعب أول مواجهة جزائرية في نهائيات كأس إفريقيا يوم 11 جانفي 1968 بأديس أبابا، لكن سوء حظه صدمه بأرمادة الفيلة بقيادة الهدّاف لوران بوكو الذين سجلوا عليه ثلاثية كاملة، ما جعل المدرب الروماني لوسيان لوديك يحدث تغييرات كبيرة في المواجهة الثانية ضد أوغندا ومن بينها تغيير الحارس، حيث أدخل مكانه زميله كريمو الذي تمكّن رفقة زملائه من تحقيق فوز عريض على أوغندا برباعية نظيفة، ما جعله يلعب أيضا المباراة الثالثة ضد البلد المنظم أثيوبيا والتي خسرناها 3-1 لنخرج من السباق. ورغم أن عبروق لعب مباراة واحدة في الكان، إلا أن ذلك لا يعكس براعته التي كان ينافس بها الآلة الهجومية الكاسحة لشباب بلكور آنذاك، وما نيله للقب أحسن رياضي جزائري عام 1969 إلا دليل على قوته رغم أن هذا اللقب مسيطر عليه عالميا من رياضيي ألعاب القوى إلا أن اسم عبروق مكتوب في التاريخ بأنه أول لاعب كرة قدم يفوز بهذه الجائزة ولم يلتحق به سوى لخضر بلومي عام 1981 ثم رابح ماجر 1982. أوشان ما تزال بصمته خالدة يعد السعيد أوشان من الأسماء التي من الصعب محوها في عالم حراس المنتخب الوطني، وقد تألق مطلع السبعينيات وخطف الأضواء في الألعاب الإفريقية لعام 1973 بلاغوس النيجيرية وتمكّن من فرض نفسه رغم الأسماء العتيدة الموجودة في تلك الفترة كطاهير، كاوة، ثلجة...وغيرهم. سرباح... أو بلومي الحراس يقال إن الظاهرة “لخضر بلومي” كان الشجرة التي غطت غابة من صانعي الألعاب كمزياني كمثال من الوسط، عجيسة من الشرق ومايدي من الغرب. وما يقال عن صاحب الرقم السحري 10 ينطبق تماما على مهدي سرباح الذي قيل عنه إنه خُلق ليكون حارسا للمرمى نظرا لبراعته التي فاقت كل وصف وذهب ضحيتها عدة حراس كان بإمكانهم الذهاب بعيدا كحرب، آيت موهوب، عمارة، العربي، بن طلعة...وبغلول. ومشوار سرباح مع النخبة الوطنية حافل بالذكريات غير القابلة للنسيان، كيف لا وهو من ساهم بقسط وافر في إهداء الجزائر ذهبية الألعاب المتوسطية لعام 1975 ثم ذهبية الألعاب الإفريقية لعام 1978، وفي أحسن مباراة للجزائر في كل الوقات ضد ألمانيا في خيخون بمونديال إسبانيا بتاريخ 16 جوان 1982 كان رجل المباراة الأول لكونه أجهض محاولات الماكينات الألمانية وهو من جعل مدربهم درفال يأكل أظافره ومهاجمهم روباش يقتلع العشب والفنان ليتبارسكي يرفع راية الاستسلام.. وسرباح هو من كان الحارس الأمين في مشاركاتنا بنهائيات كأس إفريقيا في دورات 1980، 1982، 1984، حيث لعب كل المباريات ما عدا المباراة الترتيبية في ليبيا 1982 ضد زامبيا والتي لعبها مراد عمارة. كما كان حاضرا في دورة 1986 بمصر لكنه لازم كرسي الاحتياط وترك مشوارا حافلا يجعله الآن مرشحا ليكون أحسن جزائري لكل الأوقات نظير الإنجازات العملاقة التي قدمها للمنتخب الوطني. دريد ومارادونا ضحيتا جزار واحد...؟ بعد نهاية أسطورة مهدي سرباح خلفه نصر الدين دريد الذي كان هو الآخر مميزا جدا، فرغم بنيته المورفولوجية النحيفة إلا أن براعته لم تمنح الفرصة لرفقائه المتألقين معه كشاطر، العربي، قادري... وبن ميلودي. شارك دريد في مونديال بلاد الزتيك وأبهر كل العالم أمام البرازيل حين وقف سدا منيعا أمام الدكتور سقراطس وغيره من نجوم السامبا، لكنه في المواجهة الموالية ضد ثيران إسبانيا تعرض لإصابة بليغة من جوجوتشيا الذي كان يلقب بالمدافع الجزار وكان قبل ذلك قد تعمد إصابة مارادونا، فكان الحارس الجزائري دريد أحد ضحايا قائمته الطويلة والتي جعلته مع مارادونا في قالب واحد. عمارة مراد الوحيد الذي شارك في مونديالين شاركت الجزائر 3 مرات في المونديال بثمانية حراس للمرمى، والاسم الوحيد الذي تكرر ينحصر في عمارة مراد الذي استدعي لمونديال 1982 من طرف خالف محي الدين كحارس ثان بعد سرباح متقدما على بن طلعة ثم احتفظ به سعدان لكن كحارس ثالث في مونديال المكسيك 1986 بعد دريد والعربي. لكن عمارة لم يتمكّن من المشاركة في أية دقيقة بالمونديال الذي لا نذكر له فيه سوى أنه قام بالحركات الإحمائية بعد التدخلات الألمانية الشرسة على مهدي سرباح في أول مواجهة مونديالية للجزائر، لكن لم يكتب له اللعب بعد إصرار سرباح على مواصلة المباراة. وفي نهائيات كأس إفريقيا اكتفى عمارة بلعب مباراة تحديد صاحب الصف الثالث ضد زامبيا في دورة 1982، وهو ما يوضح أنه لم يكن يلعب كثيرا بل حتى استدعاءه للمنتخب كان محل شك الكثيرين الذين اتهموا المدرب خالف بمحاباته أكثر من اللزوم. شاوشي عقدة ڤاواوي عندما كان الحارس مزاير قد اعتاد على اللعب كأساسي للخضر، فاجأه تألق الحارس وناس ڤاواوي الذي عوضه إثر مرضه في نهائيات الكان 2004 وأزاحه من عرشه. ولأن الأيام تتداول بين الناس، فما فعله ڤاواوي في مزاير تكرر معه لكن بالمقلوب مع شاوشي الذي استحوذ على كل القلوب في أول مواجهة رسمية له بأم درمان ضد المنتخب المصري يوم 18 نوفمبر 2009 لكنه لم يحسن المحافظة على تلك الصورة وقام بارتماءات خاطئة من الجانب الانضباطي أكثر من الفني، ما كلفه الاستغناء عنه إلى حين. مبولحي مسك الختام عندما قرع الشيخ سعدان أجراس الخطر بخصوص أزمة حراس يعيشها المنتخب الوطني قبيل مشاركته في المونديال الأخير، لم يكن أحد يتصور أن الحل موجود في حارس أكثر من رائع اسمه رايس وهاب مبولحي، الذي كان أحسن لاعب جزائري في المونديال الأخير وأحسن حارس خلال الدور الأول لذات المسابقة. ومبولحي المولود بتاريخ 25 أفريل 1986 من أب كونغولي وأم جزائرية قادر على تأدية مشوار دولي طويل وحافل بالإنجازات لو يحسن استغلال إمكانياته التي وصفها النقاد بالخارقة للعادة. أسماء كثيرة وبصمات قليلة الحديث عن حراس المنتخب الجزائري يقودنا لتذكّر العربي الهادي الذي لعب ضد إيرلندا وإسبانيا في مونديال المكسيك 1986، كما هنالك عنتر عصماني الذي ساهم في تتويج الجزائر بلقبها الإفريقي الوحيد عام 1990 وبعدهما أسماء أخرى أبرزها الصادق، حنيشاد، عاصيمي، مزاير، بوغرارة، فراجي، حجاوي،...وغيرها من الأسماء التي مرت جانبا دون أن تترك أثرها في الساحة الكروية. واليوم ومع اطمئنانا بتواجد مبولحي، الاستفهام الذي يطرح نفسه هو ماذا بعد هذا المميز...وهل يمكن إعادة شاوشي...ومن سيقف معهما في قادم المواعيد خاصة مع التذبذب الكبير للأسماء الحالية...؟