يسلط الروائي المصري، خالد الخميسي، في هذا الحوار الذي جمعه مع”الفجر”، بالجزائر العاصمة، مؤخراً، على واقع المثقفين العرب أمام الثورات التي شهدتها بعض المناطق العربية، على غرار مصر، وكذا تداعيات هذه الثورات على مصداقية المثقفين أمام الشعب الذين ينتمون إليه وأمام النخب المثقفة.. جابر عصفور لم يكون يوما مثالا للمثقف بقدر ما كان ذيلا من ذيول السلطة برأيك أين يتقاطع اليوم صوت المثقف العربي مع صوت الشارع، الذي أصبح يشهد يوما بعد آخر حراكا لم تشهده الساحة من قبل؟ المثقف الحقيقي هو جزء من هذا الشعب، فالمثقف العربي استطاع أن يعبر عن حلم الشعب، ولو لم يكن كذلك هو بالنسبة لي ليس بمثقف المسألة بالنسبة لي مبدأ. فالمثقف له دور فاعل في أي حراك يتبناه الشعب، وهو دور مبني على استشراف الغد ونقل نبض المجتمع بشكل حقيقي وإلا لن يكون مثقفا.. لاحظنا أثناء الثورات التي أقيمت في بعض الدول العربية غياب صوت المثقف عن هذه الأحداث وفي معظم الأحيان يصل متأخرا إلى هذه الثورات، إن لم نقل بعد فوات الأوان؟ بالنسبة لي الوضع ليس كذلك، وهذا كلام غير صحيح، فلقد كان المثقفون المصريون جميعاً من كتاب، تشكيليين، نقاد، سينمائيين، مسرحيين، شعراء وروائيين، من أول الملتحقين بركب الثورة، بل وكانوا في الكثير من المرات، وأنا هنا أتحدث عما حدث في مصر، الطرف الفاعل، بالإضافة إلى باقي الشعب المصري مع ثروة 25 يناير. فأنا منذ هذا التاريخ لاحظت أن المثقف المصري كان يشارك في هذه الثورات، ويعبر عن صوت الشارع المصري والعربي، وأنا هنا لا أتحدث عن نفسي فقط بل أتحدث عن كل المثقفين المصريين، وبالتالي التشكيك في مصداقية بعض الكتاب والمثقفين من قبل بعض الأطراف هو ليس في محلة إطلاقاً، وأنا شخصيا لم أشهد غياب أي مثقف عن هذه الأحداث، ودائما حين يطرح علي مثل هذا السؤال أقول أعطوني بعض أسماء المثقفين والكتاب الذين شاهدتموهم بعيدين عن صوت الشعب.. الكاتب جابر عصفور مثلاً..! هذا ليس بمثقف، هو ناقد ارتبط بنظام سياسي منذ سنوات عديدة، هو عضو بارز في وزارة الثقافة المصرية في عهد مبارك، وكان جزء من النظام السياسي، من خلال احتكاكه الكبير بالسلطة فقد مصداقيته مع نفسه ومع النخبة والشعب فيما بعد، فكان ذيلا من ذيول السلطة. ما أفق الأدب المصري بعد ثورة 25 يناير؟ من الصعب جداً أن نتحدث عما سوف يأتي به الأدباء المصريون بعد هذه الثورة، فالثورة كانت حاضرة دائما في الأدب المصري، ويمكنني أن أتحدث عن أدب كل حقبة، حتى في حقبنا السوداء كان هناك أدباء مصريون حقيقيون وكان هناك أدب حقيقي وقوي. وأنا أود أن أنوه هنا بأنّ التشكيك في مصداقية بعض الكتاب والمثقفين المصريين بعد ثورة 25 يناير ليس في محله إطلاقاً، لأنني أعتقد أن الأدب المصري يحمل دائما هموما وطموحات الشعب والشارع، ولكني أتوقع أن أفق الأدب المصري والعربي عموما سيعرف نوعا من التغيير، خاصة بعد سلسلة الثورات العربية التي سيتمخض عنها حراك ثقافي حقيقي لم نشهده من قبل. قلت في محاضرتك إنك كنت تشعر باليتم الأدبي طوال السنوات الماضية، والتي كانت بدايتك فيها في ظل نظام الرئيس السابق حسني مبارك، هل غياب الكتاب والمثقفين الحقيقيين هو الذي جعلك تشعر بهذا اليتم الأدبي؟ ربما.. ولكني كنت أتحدث عن غياب المثقفين، وغياب حراك فكري حقيقي في مصر، الفلسفي والنقدي، فأنا على يقين أن الأدب سوف يشهد حراكا فعليا وحقيقيا بعد ثورة 25 يناير، وسوف يكمل مسيرته هناك على أكمل وجه.. كيف تقيّم تجربة الكتابة الروائية في الوطن العربي اليوم، من منظورك أنت كروائي؟ في تقديري هناك ثورة حقيقية في الرواية في وطننا العربي، منذ سبع سنوات تقريبا، حيث لاحظ كل متتبع للنتاج الأدبي الروائي في وطننا العربي، حصلت ثورة في الأدب العربي في الشكل والمضمون والعدد، هناك عدد كبير من المبدعين الشباب دخلوا مضمار الكتابة الروائية، وهذه الثورة الأدبية واضحة وضوح الشمس في عدد وحجم الإنتاج الأدبي الروائي في كل قطر من الوطن العربي. الثورة في الرواية والثقافة والحراك الاجتماعي سبقت الثورة السياسية، لهذا أنا أقول من هذا الموقع إنّ الذين تحدثوا عن غياب صوت المثقف واستباق الشعب لنا هو كلام لا أساس له من الصحة، فالمثقفون، كل من موقعه سواء كاتب، روائي، شاعر، تشكيلي، فنان، أو سينمائي، كان يعبر بإبداعه عن رؤيته ومنظروه للأحداث المحيطة به، وحين ثار الشعب كان المثقف بجانبه لسبب بسيط هو أن المثقف كان أول من نادى إلى هذه الثورات. على أي نص أدبي يشتغل خالد الخميسي الآن؟ أحضرّ لعمل روائي جديد، لن يكون هذه المرّة مكتوبا بالعامية كما سبق أن قدمت في أعمالي السابقة، “تاكسي.. حواديت مشاوير”، “سفينة نوح”، وهو عمل يتناول حياة طفل ولد عام 2000 أقدم ذكريات يحملها تكون سنة 2003، والراوي هنا سيكون اثنان، واحد محدود والثاني عليم، أي أنه يعلم كل شيء عن هذا الطفل، وعن الذكريات التي يحملها في ذاكرته، فيعرف عبر فصول الروائية بمحدودية شخصية الطفل ذاك وعن حياته منذ 3 سنوات إلى غاية إتمامه لسنته ال11.. وهو عمل سيكون حاضراً عما قريب في المكتبات العربية.