عكس ما كان متوقعا، لم يكن لارتفاع مداخيل سوناطراك من بيع المحروقات، بشكل قياسي ومذهل خلال السنوات الأخيرة، أي تأثير باتجاه تحسين ظروف عمالها وإطاراتها الذين لا تزال أجورهم هزيلة في حين يحظى الأجانب، خاصة منهم الطواقم العاملة على ناقلات الغاز والنفط، بنعيم يحسدهم عليه الجزائريون، الأمر الذي دفع بالعشرات من الكفاءات الجزائرية بسوناطراك إلى الهجرة إلى بلدان الخليج للبحث عن أجور محترمة تلائم مستواهم وتكوينهم، علما أن تكلفة تكوين ربان قائد ناقلة غاز تصل إلى 200 ألف دولار. يحدث هذا في الوقت الذي قامت فيه سوناطراك بشراء بواخر جديدة، لتعزيز أسطول نقل الغاز والنفط، لكنها سلمتها إلى طواقم وإطارات أجنبية، وفرت لها كل ظروف الراحة والرواتب المغربية، التي تبلغ 12 ألف أورو لكل قائد سفينة و10 آلاف أورو للمساعدين والمهندسين العاملين معه. وخلال فترة إدارة شكيب خليل شؤون وزارة الطاقة أبرمت هذه الأخيرة عقدا مع شركة بريطانية، مختصة في تسيير سفن وناقلات الغاز والنفط، يقضي بتولي الشركة البريطانية جميع مسؤوليات ومهام تسيير خمس 5 ناقلات غاز جزائرية جديدة، اشترتها سوناطراك بغرض تعزيز أسطولها لنقل الغاز، تبلغ كلفة الواحدة منها 200 مليون دولار أمريكي، مجهزة بأحدث التقنيات في مجال الإبحار، شحن و تفريغ الغاز والنفط. والغريب في الأمر، أنه وباستثناء ناقلة الغاز العملاقة “لالا فاطمة نسومر”، التي يتولى قيادتها طاقم جزائري لأسباب بروتوكولية، بعد أن دشنها الرئيس بوتفليقة، لا يوجد جزائري واحد على متن السفن الجزائرية الأخرى رغم أنها تحمل العلم الجزائري، ويتعلق الأمر بناقلات الغاز “برغ أرزيو”، “أورهود”،”نجمة”، “رڤان” و”جميلة”، أوكلت سوناطراك كل مهام تسييرها وقيادتها إلى طواقم أجنبية من الفلبين، الدانمارك وبلجيكا، برواتب خيالية، في الوقت الذي تعاني فيه الإطارات الجزائرية من التفقير والتهميش لدرجة اليأس الذي دفعها إلى الرحيل بحثا عن وظيفة في شركات النفط لقطر والبحرين. سفن الموت للجزائريين والسفن الجديدة للأجانب كما أوضح عدد من إطارات سوناطراك أن مسؤولي فرع هيبروك، لنقل المحروقات، يتعمدون تعيين الطواقم الجزائرية المشهود لها بالكفاءة عالميا لقيادة السفن القديمة المهترئة، الموروثة عن الأسطول القديم، لكن برواتب لا تتجاوز ألف أورو، معتبرين هذه المعاملة حڤرة وتهميشا للطواقم الجزائرية التي ورغم ما تتلقاه من رواتب هزيلة لم تترد يوما في تسليم شحنات الغاز لزبائن سوناطراك الموزعين على بلدان القارات الخمس، حيث صمدت خلال فترة الإرهاب والأزمة الخطيرة التي مرت بها البلاد وسوناطراك معا. وكشف أحد عناصر طاقم سفينة نقل الغاز “مصطفى بن بولعيد” إن “كل مهمة تسليم لشحنة غاز لأوروبا أو أمريكا، كنا نقوم بها تعد مغامرة، على متن السفينة، فنحن نعمل في كل فصول السنة ونواجه أخطار الموت غرقا في أعالي البحار والمحيطات، بسفينة مشحونة بآلاف الأطنان من الغاز، هي عبارة عن قنبلة متنقلة، إلا أننا كنا نوصلها إلى بر الأمان، ونقوم بكل التضحيات لتمكين الجزائر من الوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال تسليم شحنات المحروقات لشركائها الأجانب، وجلب موارد مالية للاقتصاد الوطني، الذي كان على حافة الانهيار، وهذا رغم الأعطاب التقنية وقدم التجهيزات لهذه السفينة التي يعود تاريخ دخولها للخدمة إلى بداية السبعينات. واعتبر إطارات سوناطراك أن كل هذه التضحيات لم تلق أي استحسان واعتراف بالجميل من طرف مسؤولي سوناطراك، وعلى رأسهم وزير الطاقة شكيب خليل، الذي كان على علم بكل تفاصيل ظروف عملهم الجهنمية، إلا أنه تصرف بعكس ما كان منتظرا منه. وحمل الإطارات مسؤولية تردي الأوضاع بسوناطراك إلى شكيب خليل الذي لم يفهم أحد لحد الآن سبب إقدامه على قرار دفع ما لا يقل عن 12 ألف أورو للأجانب وتجميد رواتب ربان قادة السفن الجزائريين الذين تشهد لهم جميع الشركات النفطية العالمية بالخبرة والكفاءة، معتبرين ما اقترفه شكيب خليل بالطعنة في ظهر الكفاءات الجزائرية. وفي هذا السياق كشف أحد الإطارات أن التسيير كارثي للموارد البشرية الذي تنتهجه سوناطراك أصبح مثار سخرية الشركات النفطية الأخرى العالمية الخليجية والأمريكية، التي تسعى إلى استقطاب الإطارات الجزائرية للعمل لديها برواتب لا تقل عن 10 آلاف دولار شهريا، في الوقت الذي تقوم فيه سوناطراك بالعكس. 250 ألف دولار غرامة بسبب تأخر تسليم شحنة غاز أدت الفوضى السائدة في تسيير منشات سونا طراك، خاصة منها موانئ الشحن والتفريغ، بسبب هجرة الكفاءات الجزائرية إلى فضائح بالجملة مع زبائن سوناطراك التقليديين ومن بينهم إيطاليا، حيث غرّمت الشركة الإيطالية لتسيير موانئ شحن المحروقات ناقلة الغاز الجزائرية “حاسي الرمل” ب250 ألف دولار أمريكي، بسبب تأخرها عن تسليم شحنة غاز كانت مبرمجة وحجزها لميناء التفريغ الإيطالي لمدة يومين دون استغلاله. وتعود مسؤولية هذه الغرامة المالية الباهظة إلى الفوضى التي تعيشها منشآت الشحن والتفريغ النفطية بمركبات أرزيو وسكيكدة، حيث رست ناقلة الغاز “حاسي الرمل” لمدة يومين بميناء الشحن بسكيكدة، دون أن تتمكن من الحصول على شحنتها حيث ظلت متوقفة تواجه صعوبات لإتمام عملية الشحن والمراقبة التقنية، بسبب افتقار المحطة للكفاءات التقنية والإطارات المؤهلة بالعدد الكافي للقيام بمثل هذه العمليات، بعد رحيل عدد كبير من المهندسين والتقنيين إلى بلدان الخليج تاركين فراغا كبيرا في العديد من المنشآت الحيوية النفطية. وأكدت مصادرنا أن عمليات الشحن والمراقبة كانت تتم سابقا، في وجود هذه الكفاءات، بسهولة وفي ظروف جيدة مع احترام تام لمواعيد الشحن والتبريد، لتمكين السفينة من الوصول في موعدها لتسليم شحنتها بالموانئ الأجنبية. وأوضحت ذات المصادر في هذا السياق أن موانئ النفط الأجنبية الإيطالية وغيرها تعمل وفق نظام محدد وبرنامج حجز مضبوط لأرصفة التفريغ التي يتم حجزها أي كراؤها مسبقا، وفق مواعيد، وعند الإخلال بهذا الالتزام تتحمل الشركة المصدرة كل تكاليف الحجز الناجمة عن بقاء رصيف الميناء شاغرا، وهو الأمر الذي اعتبرته الشركة الإيطالية لتسيير ميناء المحروقات بالخسارة التي يجب على شركة سوناطراك تحملها بتغريمها 250 ألف دولار أمريكي. وأكد إطارات سوناطراك أن هذه الحادثة عينة فقط من حجم الفضائح والكوارث التي تسبب فيها مسؤولو سوناطراك التي خسرت سمعتها وريادتها في إفريقيا والبحر المتوسط، بعدما كانت مدرسة يقصدها الجميع للتدريب والتكوين وبعدما كانت في السبعينات والثمانينات مفخرة للجزائر.