فهمت الآن لماذا وجه المجلس الانتقالي الليبي أصابع الاتهام إلى الجزائر، زاعما أنها تدعم القذافي بالسلاح والمرتزقة؛ فقد كشف المقال الذي تنشره "الفجر" اليوم، أن غالبية أعضاء المجلس الانتقالي، بل غالبية الثوار الليبيين، هم من بقايا الجماعة المقاتلة الليبية، التنظيم الذي كان يتزعمه عثمان بن نعمان، وانضم منذ حوالي أربع سنوات إلى القاعدة . ومن الطبيعي أن يتخذ هذا التنظيم النظامَ الجزائري، وتحديدا الجيش الجزائري، عدوا له ويحاول في المقابل استعطاف الشعب الجزائري وإعفائه من التهمة، لأن للجماعة المقاتلة ولعناصرها التي حاولت بمغامرة الجهاد في الجزائر، تجربة مريرة مع الجيش الجزائري، بل حتى مع الجماعة المسلحة الإرهابية، التي تصدت لعناصر الجماعة المقاتلة الذين جاءوا من أفغانستان وقصدوا الجنوب الجزائري سنوات التسعينيات للتحضير لوثبة داخل ليبيا انطلاقا من الجزائر، لكن الجيش الجزائري في حربه على الإرهاب، منع الجماعة المقاتلة من تحقيق حلمها في اتخاذ الجزائر منطقة لانطلاق عملياتها ضد نظام القذافي الذي فشلت في اغتياله رغم دعم المخابرات البريطانية في مارس 1996. ومن الطبيعي أيضا أن يخفي المجلس الانتقالي أسماء جل أعضائه، والسبب ربما يعود لسيطرة التنظيمات الإرهابية من الجماعة المقاتلة ومن الحركات الجهادية الليبية الأخرى على المجلس، وقد وجدت في الدعم الدولي فرصة لتنفيذ مخططاتها التي تعود إلى أكثر من عشرية؛ حيث كانت الجماعة تنوي تحرير منطقة من الصحراء الليبية لتتخذها منطلقا لحربها على نظام القذافي، حربا لن تتوقف إلا بالإطاحة نهائيا بنظام هذا الأخير، وهي الخطة التي فشلت الجماعة المقاتلة في تنفيذها منتصف التسعينيات، وها هي تغتنم فرصة "الثورات" العربية لتنفذها تحت مظلة دولية. كتاب "القاعدة وأخواتها" للزميل كميل الطويل من صحيفة "الحياة" اللندنية، يعطي قراءة واضحة لما يجري الآن في ليبيا، من حيث التوزيع الجغرافي والقبلي للحركات الجهادية التي يرتكز أغلبها في مناطق بنغازي ودرنة والمناطق الشرقية المعادية لنظام القذافي، وهي نفسها المناطق التي يتمركز بها الثوار. ولهذا السبب لا يمكن للجزائر أن تقف إلى جانب "الثوار" في ليبيا، لأنها لم تحارب الحركات الجهادية فيها لتدعمها في بلاد أخرى وتمكنها من الوصول إلى الحكم لينتهي بها المطاف للتآمر علينا، وهذا لا يعني أن نظام القذافي يستحق الدعم والمساندة فكلاهما أسوأ من الآخر.