في غياب تام لنقابة سيدي السعيد أو نقابات أخرى مستقلة تدافع عن حقوقهم، يعيش العمال الجزائريون العاملون لدى الشركات الأجنبية الناشطة بالجنوب الجزائري، خاصة بأكبر منطقة نفطية وهي حاسي مسعود، يعيشون ظروف عمل وحياة جد صعبة ومهينة لكرامتهم، سواء كجزائريين أو كعمال، وجب على مستخدميهم احترام كرامتهم الإنسانية وحقوقهم المهنية مثلما تنص عليه قوانين العمل والتشريعات الوطنية، والتي تحرص الدولة على تطبيقها في الشمال، إلا أنها تغض النظر عنها في الجنوب، وكأن منطقة الجنوب منطقة خارج سيادة الدولة والبلاد، الأمر الذي فتح الباب واسعا أمام العديد من التجاوزات التي تقترفها الشركات الأجنبية النفطية أو تلك الناشطة في مجال الخدمات وتسيير قواعد الحياة ومجمعات إيواء وإقامة العمال الجزائريين. كشف العشرات من العمال الجزائريين، الذين يعملون لدى الشركات الأجنبية المتواجدة بالجنوب الجزائري بمنطقة “حاسي مسعود”، خلال عودتهم إلى عائلاتهم في الإجازة التي استفادوا منها، بعد شهر ونصف من العمل، قضوه فيما وصفوه بجحيم الشركات الأجنبية، كشفوا عن معاناتهم وظروف عملهم الرهيبة والمأساوية، تحت سلطة الأجانب، من مسؤولي الشركات متعددة الجنسيات، التي قالوا عنها إنها “حولت الجنوب الجزائري إلى مقاطعة خاصة تتصرف فيها كما يتصرف “الكاو بوي” في مزرعة الأبقار. وأكد عدد من العمال بأن العمال الجزائريين لدى هذه الشركات يعاملون مثل المهاجرين غير الشرعيين، وكأنهم ليسوا أبناء الوطن ويعملون في بلادهم، بحيث يتعرضون يوميا لأبشع الاستغلال لحقوقهم المهنية والإساءة لكرامتهم من طرف مسؤولي الشركات الأجنبية الذين لا يترددون أيضا في توجيه الشتائم والإهانات لهم دون أي حرج. ومن بين الشركات الأجنبية العاملة بالجنوب، الأكثر انتهاكا لحقوق العمال الجزائريين، ذكر العمال اسم شركة “أورست ألجيري”، أحد فروع الشركة الدولية المتعددة الجنسيات “كومباس قروب”، المختصة في مجال الإطعام والخدمات. نسكن الخيام ونعامل كالعبيد وأوضح عدد من عمال شركة “أورست ألجيري”، من العائدين من حقول النفط بحاسي مسعود، في إجازة يقضونها مع عائلاتهم بعنابة، أوضحوا في حديثهم إلينا، ما يعيشونه “بحاسي مسعود” على أيدي الأجانب، “بالعار والمهانة التي ما كان يجب على السلطات الجزائرية القبول بها والسكوت عنها”. فبشركة “أورست ألجيري” المتخصصة في خدمات الفندقة والإطعام، والتابعة لمجمع “كومباس ڤروب” العالمي، الذي يملك فروعا في العديد من الدول والقارات، وخلافا للصورة البراقة والواعدة بحياة رفيهة ورواتب مغرية، التي يتصورها البعض، أكد العمال أنهم يقطنون الخيام، المنصوبة على الرمال، بحاسي مسعود، بدل شاليهات أو بناءات تقيهم حرارة الشمس اللافحة، التي تصل إلى حدود الخمسين درجة، في ظروف تنعدم فيها أدنى شروط الحياة والنظافة. فلا دورات مياه محترمة، ولا مرشات للاستحمام ولا حتى أغطية نظيفة، بهذه المخيمات التي وصفوها بمخيمات العار، التي لا ترقى حتى إلى مخيمات اللاجئين في دارفور بالسودان، على حد وصفهم. كل هذه الظروف الجهنمية، يعيشها قرابة 1800 عامل بمخيمات شركة “أورست الجيري”، بحيث يعملون تحت حرارة الشمس اللافحة لمدة شهر ونصف دون انقطاع، قبل أن يسمح لهم بأخذ إجازة. كل هذه المعاناة والجحيم اليومي الذي يعيشونه، مقابل راتب لا يتعدى 20 ألف دينار جزائري. وزيادة على المعاناة من ظروف العمل القاسية والرواتب الهزيلة، لم يهضم العمال طريقة معاملة الأجانب لهم، الذين يتصرفون وكأنهم في مستعمرة ملك لهم وليسوا مستثمرين في بلد مستقل، تحكمه قوانين العمل وواجبات الاحترام والانضباط في التعامل مع العمال، الذين هم مواطنون جزائريون قبل أن يكونوا أجراء لدى هذه الشركات. وأوضح العمال أن ظروف العمل المأساوية التي يعيشونها دفعت بهم إلى محاولة تشكيل فروع نقابية للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، إلا أنهم جوبهوا بالتهديد والوعيد من طرف مسؤولي الشركة، الذين هددوهم بالطرد من العمل وبالمتابعة القضائية، حيث استغرب العمال هذه السلوكات المنافية تماما للقوانين الجزائرية التي تضمن حق الممارسة والنشاط النقابي في شمال البلاد، إلا أن الأجانب لا يعترفون بها في الجنوب. وأكد العمال أن أحد مسؤولي الشركة، وهو فرنسي من أصل بلجيكي، لم يكتف بضرب عرض الحائط بكل قوانين العمل والتنظيمات التشريعية الجزائرية، التي تضمن حق النشاط النقابي الذي نص عليه الدستور الجزائري، بل تجرأ، خلال اجتماع حضره مئات العمال، بمقر شركة “شلومبرغر” على تمزيق محضر تنصيب الفرع النقابي، المنتخب من طرف العمال، أمام الملأ، مهددا الجميع بأقسى العقوبات إذا تكررت، حسب قوله “محاولات التحريض على الفوضى وممارسة نشاطات نقابية غير مرخص لها”. سيدي السعيد يعلم بكل شيء ولا يتدخل وأكد العمال أن سلوكات مسؤولي الشركات الأجنبية، وعلى رأسها شركة “أورست ألجيري”، وصلت حد الاستهزاء بالقوانين والمؤسسات الجزائرية، حيث أبلغوا العمال بقرار منع أي نشاط نقابي، واستعدادهم لقمع أي صوت يعلو للمطالبة بتحسين ظروف العمل الجهنمية التي يعانيها الجزائريون، في الوقت الذي تمكن فيه مجمع “كومباس ڤروب” وشركته “أورست ألجيري”، من جمع عشرات الملايير من الدولارات، حولوها إلى الخارج، على حساب عرق وكرامة الجزائريين، في عقر دارهم و”ببلدهم المستقل”، على حد تعبير العمال، الذين أوضحوا أن الأمين العام للمركزية النقابية، سيدي السعيد، ومصالح رئاسة الحكومة وكذا رئاسة الجمهورية، كلها أعلمت بالقضية من خلال مراسلات رسمية، أغلبها تأكد تسلمها من طرف الأمين العام للمركزية النقابية، سيدي السعيد شخصيا، الذي تم إبلاغه في العديد من المرات بما يحدث في الجنوب، وأبدى استعداده للتدخل لوضع حد للممارسات المافياوية لهذه الشركات لكنه لم يفعل شيئا وبقيت وعوده مجرد كلام.