صدر حديثاً، عن منشورات دار الهدى بالعاصمة، إصدار جديد، في إطار تظاهرة "تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية"، تناولت فيه المؤلفة، وهي باحثة في التاريخ، مدينة قسنطينة العريقة. الكتاب هذا، لصاحبته مهنتل مقروس جهيدة، حاولت من خلاله الكاتبة، أنّ تقدم نظرة عن التاريخ القديم لمدينة قسنطينة التي كانت تعرف بعدّة أسماء من بينها اسم سيرتا، وكرتا النوميدية العريقة، مستعينة في هذا البحث بعدّة دراسات ومراجع عربية ولاتينية وإغريقية أخرى، خاصة وأن هذه المدينة عرفت أوج تطورها الحضاري خلال الفترة التي تمتد ما بين القرن الثالث قبل الميلاد، والقرن الرابع للميلاد، لهذا فإن الدّارس لتاريخ الجزائر، يعود دائما إلى هذه المدينة أي إلى الفترة الرومانية، التي اشتهرت سيرتا بكونها أهم مدينة عرفت بجمع عدّة حضارات في موقع واحد، وهو الموقع الذي ما زال مستمراً إلى اليوم، وينبض بالحياة التي تذكّرنا بما كانت عليه في الزمن القديم، كعاصمة للملوك النومديين، وكمركز رئيسي دوما، وعاصمة أيضا في الفترة الرومانية، خاصة وأن قلّة قليلة من المدن التي تفاخر بهذه الاستمرارية المتميزة. ونوّهت الكاتبة في هذا البحث المفصل الذي جاء في خمسة فصول، أنّه وعلى الرغم من كون مدينة قسنطينة أقدم المدن الجزائرية، إلا أن المؤرخين لا زالوا لا يعرفون التاريخ الحقيقي لتأسيسها، لهذا فقد ركّز الباحثون الفرنسيون اهتمامهم أكثر بدراسة تاريخ وآثار المدن الجزائرية بما فيها قسنطينة، على الفترة الرومانية، لأنّ هذه الفترة القديمة بالنسبة للكثير منهم كانت مرادفا للفترة الرومانية فقط، التي اعتبروها إرثهم الحضاري، فالمراد من هذه الدراسة هو إبراز قيمتها كعاصمة نوميدية متفتحة على الحضارات الأخرى، وكمدينة وصلت إلى العالمية بفضل وجود فئات بشرية متنوعة، بونية، إغريقية، إيطالية، وغيرها امتزجت هذه جميعا مع السكان الأصليين، لتجعل منها مدينة عادية تماثل المدن الكبرى آنذاك. وقد استعانت الباحثة في هذا المؤلف على النقوش الكتابية البونية واللاتينية التي وجدت هناك، وكذا عدد من النشريات التي كانت موجودة في تلك الحقبة وما تلاها، وهذه الدراسات والبحوث أكدت أنّ الاسم الحقيقي لهذه المدينة هو كرتا، وليس سيرتا، لأن البونية والليبية واللاتينية تعتمدان فقط على الحروف الساكنة، كما أن حرف السين لا ينطق بالسين بل بالكاف. وعلى الرغم من هذه الدراسة القيمة التي قدمتها لنا الكاتبة عبر صفحات العمل التي تجاوزت 300 صفحة، فإنها دراسة ناقصة ومشتتة عن تاريخ هذه المدينة العريقة، لأن الدراسات والتقارير المتعلقة بهذه المدينة لا زال الكثير منها غائبا عنا.