أثرت دراسة الباحث "علي خنوف" في الطبعة الثانية من كتابه "تاريخ منطقة جيجل قديما وحديثا" رصيد المكتبات الجزائرية في مجال البحوث التاريخية، حيث تعمّق بحثه في المنطقة الكتامية وسافر بالقارئ عبر مختلف الحقبات التاريخية التي مرت بها جيجل مبرزا مميزات الحياة الاجتماعية للمنطقة. الكتاب في طبعته الثانية الذي وسمه صاحبه "تاريخ منطقة جيجل قديما وحديثا" عن منشورات "الأنيس" تضمّن 238 صفحة وزيّنت واجهته بصورة لمنطقة جيجل تعود إلى 1964، يلج من خلاله القارئ في تاريخ المنطقة انطلاقا من عصر ما قبل التاريخ إلى العهد الفينيقي ثم الوندالي البيزنطي، مرورا بالعهد الإسلامي ووصولا إلى فترة الاحتلال الفرنسي. كما أبرزت الدراسة الجمال الطبيعي الأخّاذ الذي تتميز به عروس الساحل "جيجل" بموقعها الاستراتيجي الهام. يعتبر المؤلف من أهم المراجع التاريخية التي أبرزت مفاتن المنطقة وهي تتباهى بعدرية جمالها الطبيعي، الذي لا يحتاج إلى مكملات أو إضافات وإطلالتها المميزة على البحر الأبيض المتوسط، كما يروي الكاتب تاريخ المنطقة العريقة ويتفنن في كشف خصائصها ليمنح للمهتمين متعة التتبع والاستمتاع بقراءة التاريخ دون ملل ولا تقيد أملته الدراسة التحليلية المعمقة لتاريخ جيجل قديما، ثم الانتقال إلى مسايرة التطورات المختلفة التي عرفتها هذه القطعة من التراب الجزائري. ولأن لكل شيء بداية فقد انطلق الكاتب من البدايات الأولى لتاريخ المنطقة بتسلسل زمني، عرّج عبره بكثير من التفصيل على مختلف المراحل التي مرت بها هذه الولاية الساحلية بما في دلك أعراش وقبائل منطقة جيجل التي اعتمدها الفرنسيون في تحديد المحيط الجغرافي للمنطقة الممتد من الكتلة الجبلية الساحلية لزيامة منصورية غربا إلى وادي الرمال شرقا. كما ركز الكاتب على فترة التواجد العثماني ومرحلة الاحتلال الفرنسي، حيث بحث من خلاله كل الجوانب السياسية، الاجتماعية، الثقافية وحتى الاقتصادية التي تميّزت بها المنطقة عبر العصور المتعاقبة عليها. وقد تشبثت الدراسة بمحورين أساسيين يتعلق الأول بالأهمية الكبيرة التي أولاها الكاتب للمقاومة الشعبية هذه الأخيرة التي أخذت عدة أشكال استجابة للتكوين التضاريسي للمنطقة ومميزات المجتمع الجيجلي، كما سلّط الضوء على رفض سكان المنطقة للاحتلال واستماتة أحفاد خير الدين في الدفاع عن الأرض والعرض في أحلك الظروف، وتصدّيهم للاستعمار الفرنسي الغاشم الذي حاول بشتى الطرق فرض سيطرته المباشرة على المنطقة. أما المحور الثاني فركّز فيه الكاتب على خصوصيات المجتمع الجيجلي من الجانب الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي والسياسي هذه المميزات التي استطاع أبناء المنطقة المحافظة عليها وتكييفها مع كل الظروف مبرزا تمسكهم بالأصالة في ظل العصرنة على اختلاف الأزمنة والأجيال المتعاقبة على المنطقة.