صدرت، مؤخرا، عن دار جوبة، رواية جديدة للكاتب كمال بوشامة، تناول من خلالها واقع المجتمعات العربية وما يسودها من تصرفات سمجة، في مقارنة بين مجتمع الغاب والمجتمع البشري تصفه الذبابة نقلا عن ما تكابده في مجتمعها الغابي. الرواية التي أختير لها عنوان ”الهجرة المنجبة” جاء في مقدمتها: ”هناك الكثير ممن يعتقدون أن جون دو لافونتان هو أول من ابتكر هذا الأسلوب الأدبي لكنه جاء قرون بعد ابن المقفع الذي تكلم عن الغاب وأوصى بني البشر على لسان الحيوان”. الكتاب قال عنه صاحبه ”إن فكرته تعود الى سنة 1984 عندما كان وزيرا، فحصل أن كان مسافرا في مهمة وأثناء انتظاره في قاعة المطار أزعجته ذبابة بدورانها الطنان فاصطادها وحملها معه في علبة كبريت وتصور حوارا دار بينهما، مضيفا أنه اليوم وبعد تمرسه في الإنجاب الثقافي ترجم ذلك إلى رواية عن الغاب ترويها الذبابة التي سافرت معه داخل علبة ثقاب”. سردت الرواية عبر صفحاتها ال240 قصصا خيالية تعبر عن معاناة الذبابة وبني جنسها من قاطني الغاب الباحثين عن العدالة والاستقلالية، فجاءت القصة الأولى التي كانت بطلتها الغزالة ثم الثانية مع الفيل فقصة ابن آوى وتوالت القصص مترجمة العديد من القضايا التي لم تجد لها انفراجا في المجتمع الجزائري وغيره من المجتمعات العربية سواء الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية وكذا السياسية. ومن خلال مقارنته بين المجتمعين يكتشف أن الذبابة محقة في اختيارها الهجرة والهروب من كل هاته الضوائق، وهو ما عبر عنه في الصفحات الأولى بقوله ”أكتب عن الغاب الذي لا يختلف كثيرا عن حياة البشر مع فرق صغير هو أن الانسان تميز بالعقل في فرض قانون الغاب على عكس الحيوان الذي فرضت طبيعته الحيوانية قانون الغاب”. حدث وسافرت الذبابة رفقة موكب وزاري لم تكن لتحلم به وفي طريق عودة الوزير التقى مجددا بالذبابة فبادرها بالسؤال ”إلى أين؟ ألم تحلمي بالسفر بحثا عن مبتغاك أم عدت خائبة؟” فردت ”بلى وجدت كل ما أبحث عنه من الديمقراطية، العدالة، الحرية، الاحترام والعمل لكنني آثرت العودة الى بلدي لأضع مؤهلاتي في خدمة غابي فقال ”إذا عدت بكل هذا الزاد هل بإمكانك اقناع مسؤوليك بضرورة التغيير؟”، فأجابت: ”نعم ويكفينا التجند ووضع اليد في اليد من أجل بناء المستقبل وتغيير الذهنيات”، فقال: وكيف الوصول الى ذلك؟ فردت: بالارادة والعزيمة للخروج من دائرة الرتابة”. ركز الكاتب في مؤلفه على ضرورة التغيير الشامل للقضاء على الديماغوجية والبيروقراطية والتراكم الداخلي الملفوف بغياب العدالة الاجتماعية الذي أفرز الأوضاع التي تعيشها البلدان العربية اليوم، والذهاب إلى الإصلاح الإيجابي المطبوع بالرزانة لمواكبة التطور بعيدا عن السكون الذي يطبع مجتمعاتنا العربية، متوجها إلى كل من يطمح الى التغيير السلمي بعيدا عن العصبية باعتماد أسلوب حضاري يطبعه الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، والتصميم على تغيير جذري يكون أشبه بالدواء الناجع أو”الترياق” الشافي بعيدا عن الوعود الزائفة الأشبه بالبرق الخٌلب الذي يضيء ولا يعطي المطر، نقله الكاتب على لسان الذبابة المسافرة العائدة الى غابها.