يكشف “تيري مايسون” المحلل السياسي الفرنسي، في هذا المقال الذي نشره على موقع شبكة فولتير، كيف تحاول أمريكا والغرب اليوم بعد أن أعلنت غلق ملف القاعدة بإعلانها عن مقتل بن لادن في شهر ماي الماضي، استرجاع الجهاديين الإسلاميين الذين كانوا ينشطون تحت لواء القاعدة ومن بينهم جهاديو المقاتلة الليبية، لاستعمالهم في نزاعاتها المستقبلية وفي الثورات العربية التي خططت لها منذ فترة. كما يتطرق بالحجة والبرهان إلى كيفية التحاق الجهاديين الليبيين بالثورة ضد القذافي، وسيطرتهم على الجناح العسكري للمجلس الانتقالي بتواطؤ من الناتو وأمريكا، وكيف وصلوا إلى الحكم... طلبت وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي أي) سنوات الثمانينات من المدعو عواطة الزواوي أن يؤسس في ليبيا مكتبا لتوظيف مرتزقة بهدف إرسالهم للجهاد في أفغانستان ضد الروس. وهو ما فعل. وابتداء من سنة 1986 بدأ المرتزقة الليبيون يتدربون في معسكر “سلمان الفارسي” في باكستان، تحت إشراف وسلطة المليادرير السعودي المناهض للشيوعية آنذاك “أسامة بن لادن”. وبعد سقوط النظام الموالي لروسيا في أفغانستان، ووصول طالبان إلى الحكم، خرج أسامة بن لادن من أفغانستان باتجاه السودان، وتبعه في رحلته هذه الجهاديون الليبيون. وابتداء من سنة 1994 بدأ أسامة بن لادن يرسل جهاديين ليبيين لاغتيال معمر القذافي وقلب النظام في الجماهيرية الليبية. وفي 18 أكتوبر 1995 تشكل الجهاديون الليبيون في تنظيم جديد أطلقوا عليه تسمية الجماعة الليبية المقاتلة التي كان يقودها آنذاك عثمان بن نعمان والتي حاولت طوال السنوات الثلاث التالية ولأربع مرات متتالية اغتيال القذافي ونشر الجهاد في جبال ليبيا الجنوبية. وبعد فشل هذه المحاولات قاد الجيش الليبي بقيادة عبد الفتاح يونس (الذي اغتالته القاعدة في ليبيا شهر جويلية الماضي) حربا على الجهاديين لاستئصال الحركة، وأصدرت العدالة الليبية أمرا دوليا بالقبض على أسامة بن لادن نشره الأنتربول سنة 1998. وحسب العميل البريطاني لمكافحة التجسس “دافيد شيلر” فإن المخابرات البريطانية (أم آي 6) هي التي مولت الجماعة الليبية المقاتلة ومحاولة الاغتيال الأولى لمعمر القذافي، والتي كلفت ما لا يقل عن 100 ألف جنيه استرليني. وقتها كانت ليبيا البلد الوحيد في العالم الذي يلاحق “أسامة بن لادن” والذي كان وقتها يتمتع رسميا بالدعم السياسي الأمريكي مع أنه عارض عملية عاصفة الصحراء في العراق سنة 1991. وبضغط من طرابلس، طرد حسن الترابي في السودان الجهاديين الليبيين من بلاده، فأجبروا من جديد على نقل بنيتهم التحتية إلى أفغانستان، حيث نصبوا معسكر الشهيد الشيخ أبو يحيى شمال كابول، وبقي هذا المعسكر ناشطا حتى صائفة 2001، حيث فشلت المفاوضات بين برلينوالولاياتالمتحدة وطالبان بشأن أنبوب نقل الغاز عبر أفغانستان. وفي هذه الأثناء أصر الملا عمر، الذي كان يعد للغزوة الأنغلوساكسونية، أن يكون معسكر الشهيد أبو يحيى تحت إمرته مباشرة. وفي 6 أكتوبر من نفس السنة تم تسجيل اسم المقاتلة الليبية في القائمة التي أعدتها لجنة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1267، ومازال مسجلا بها حتى الآن. وفي ديسمبر 2004 تم تسجيل الجماعة المقاتلة في قائمة المنظمات الإرهابية التي وضعتها كتابة الدولة للشؤون الخارجية الأمريكية وأيضا مازالت كذلك حتى الساعة. وفي 10 أكتوبر 2005 منع وزير الداخلية البريطاني تواجد هذا التنظيم على التراب اللبريطاني، وهذا الإجراء مازال معمولا به حتى الآن. في 7 فيفري 2006، أصدرت اللجنة الأممية عقوبات ضد 5 من أعضاء الجماعة المقاتلة الليبية، وضد أربع شركات مرتبطة بها، لكنها مازالت حتى اليوم تنشط بعيدا عن العقاب فوق التراب البريطاني وتحت حماية المخابرات البريطانية (أم آي 6). وخلال فترة الحرب ضد الإرهاب، بدأ هذا التنظيم الجهادي في تنظيم نفسه، وبدأ تدريجيا مصطلح “القاعدة” الذي كان يعني في بداية الأمر قاعدة البيانات الذي كان أسامة بن لادن يقوم من خلالها باختيار المرتزقة الذين يكون بحاجة إليهم لتنفيذ عمليات معينة ودقيقة، يتحول إلى تنظيم قائم، وبدأ حجمه يتناقص تدريجيا مع إعادة هيكلته. وفي يوم 6 مارس 2004 تم توقيف عبد الحكيم بلحاج (القيادي الحالي لجيش الثوار بليبيا) والذي كان يجاهد في أفغانستان إلى جانب بن لادن، وكذلك في العراق، في ماليزيا، ثم نقل إلى سجن سري من طرف المخابرات المركزية الأمريكية (س آي أي) بتايلاندا حيث حقن بحقنة الحقيقة وتعرض للتعذيب. ثم وبناء على اتفاق تم بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وليبيا تم ترحيله إلى ليبيا وتعرض إلى التعذيب على يد المخابرات البريطانية هذه المرة بسجن أبو سليم. وفي 26 جوان 2005، نظمت المخابرات الغربية لقاء للمعارضة الليبية في لندن، تحت مسمى “الندوة الوطنية للمعارضين الليبيين” تم خلالها توحيد ثلاثة فصائل إسلامية، هم الإخوان المسلمون، الزاوية السنوسية والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، خرجت بإعلان من ثلاثة أهداف: - الإطاحة بمعمر القذافي. - تسيير شؤون الحكم لمدة سنة تحت اسم المجلس الوطني الانتقالي. - إعادة بعث الملكية الدستورية في صيغتها لسنة 1951 والتأكيد على أن الإسلام دين الدولة. وفي جويلية 2005 تمكن أبو ليث الليبي من الهروب بأعجوبة رغم الحراسة المشددة، من سجن “باغرام” بأفغانستان، وصار بعدها قياديا في القاعدة. وجه بعدها نداء لعناصر الجماعة الليبية المقاتلة الذين لم ينضموا بعد لتنظيم القاعدة، لأن ينضموا إلى التنظيم في العراق، وبذلك أصبحت العناصر الجهادية الليبية الأغلبية وسط انتحاريي القاعدة في العراق. وفي فيفري 2007 قاد الليبي هجوما على سجن “باغرام” بأفغانسان في الوقت الذي كان نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، يهم بزيارة السجن. وفي نوفمبر من نفس السنة أعلن أيمن الظواهري وأبو ليث الليبي انضمام المقاتلة الليبية إلى تنظيم القاعدة، فأصبح بذلك أبو ليث الليبي نائبا لأيمن الظواهري، والرجل الثاني في التنظيم، لأنه لم تعد تتوفر آنذاك أي معلومات عن أسامة بن لادن، الذي قتل من طرف فريق من المخابرات الأمريكية في وزيرستان نهاية جانفي 2008. يتبع... الكاتب والصحفي الفرنسي