فوز حركة النهضة في تونس جاءت به عوامل عديدة تشبه إلى حد بعيد العوامل التي جعلت جبهة الإنقاذ في الجزائر تفوز بانتخابات 1991. أولا: الشعب التونسي صوت للنهضة لأنه خاف على هويته بعد فشل النظام الذي بناه بورقيبة وأفسده بن علي بفساده.. وحدث هذا الخوف لدى الشعب التونسي من خلال طرح مسألة الهوية للتداول السياسي في الشارع التونسي كمسألة رئيسية في العراك السياسي الذي جاء بعد الإطاحة ببن علي. ثانيا: التوانسة صوتوا للنهضة في سياق البحث عن حكم نقي بعد الفساد الذي أصبحت رائحته تزكم الأنوف بعد انكشاف أمر الحكم الحداثي العلماني الفاسد الذي مثله بن علي وجماعته.. فالتوانسة رأوا في رجال النهضة نظافة لم يجدوها في غيرهم من الحركات والأحزاب الأخرى.. أو لعلها موجودة في بعض الأحزاب ولكن لم يحسن أصحابها إيصالها إلى الشعب التونسي القلق على مصيره ومستقبله. لهذا اختار التوانسة التصويت للنهضة كحركة دينية تستخدم الدين في محاربة الفساد أي أن الرقابة الإلهية على الفساد التي تطرحها النهضة قد تكون الحل لصيانة المال العام مادام الحاكم لا يخاف أجهزة الرقابة. فلعل وعسى ما تقدمه النهضة من أناس يخافون الله أو هكذا يتصور التوانسة تمكن أن يصان المال العام من الفساد! ثالثا: انتخابات تونس رغم ديمقراطيتها وشفافيتها تعرضت لنوع آخر من التزوير الانتخابي المسموح به.. فالمال السياسي الذي دخل على الخط في انتخابات تونس بقوة هو الذي حدد النتائج مسبقا! وهنا ومن الناحية الأخلاقية فإنه لا يوجد فرق تقريبا بين تزوير السلطة للانتخابات وبين تزوير المرشحين لهذه الانتخابات بواسطة شراء الأصوات من المواطنين بالمال الحلال أو الحرام! والمؤسف أن الجزائر كانت الغائب الأكبر في هذه السوق الانتخابية! والفرق الوحيد بين تزوير السلطة للانتخابات وتزوير الأحزاب للانتخابات بواسطة المال هو أن السلطة تصادر أصوات المواطنين بالمجان في حين تدفع الأحزاب ثمن مصادرة حرية المواطن بواسطة الأموال.. ومن يكون صوته الانتخابي يساوي ثلاثين دينارا أو علوشا أو دجاجة أو "بيدون" زيت أو "شكارة" سميد لا يمكن أن نتحدث عنه كناخب حر! ومن ينتخبه لا يمكن أن يدعي بأنه يمثل الشعب الحر الذي انتخبه! رابعا: ثمة مسألة حيوية تتعلق بالأخطار التي تواجه الانتخابات العربية بعد ما يسمى بالربيع العربي.. وهي أخطار المال الحلال والحرام.. وخاصة المال الأجنبي الذي يحشر أنفه في الانتخابات لأنه مال الفساد والنفوذ العابر اللقارات والأوطان. الخوف كل الخوف أن دول الخليج التي حشرت أنفها في انتخابات تونس إلى جانب الودل الغربية لشراء الشرعية من الشعب الفقير المحتاج لصالح جهات بعينها يمكن أن تواصل استخدام المال في مصادرة حق الحكم الجديد في توفير ما وعد به الشعب التونسي في هذه الانتخابات. انتخابات تونس بالفعل أنجزت مهمة ولكنها بالمقابل فتحت مخاوف جادة وجدية قد لا تكون بحجم ما حدث في الجزائر لخصوصية تونس ونوعية نخبها السياسية.. لكن حجم الأخطار الاقتصادية التي تواجه البلد ومحدودية مواردها وحساسيتها وهشاشتها يمكن أن تجعل البلد مفتوحا على مخاطر لم تكن في الحسبان وقد تهدد في العمق استقرار وأمن البلد.