احتفت تلمسان بكاتبها الكبير محمد ديب من خلال عدد من النشاطات، حيث قدمت ملتقى علميا حول إنتاجه الأدبي الشهر الماضي، وها هي الآن تقدم ترجمة ثلاثيته "الدار الكبيرة، الحريق، المنسج" للقارئ باللغة العربية، بعد أن قدم المشارقة ترجمات مختلفة. وما دامت الترجمة "خيانة" فإن الجزائري لن يخون صوته.. المترجم الجزائري أحمد بن محمد بكلي صاحب الترجمة الجديدة سبق له أن ترجم كتاب "أعلام ومعالم" لمصطفى لشرف، وكذا رواية "تنشئة جزائرية" لوسيلة تمزالي، كما ينكب حاليا على ترجمة مذكرات علي هارون "السد المنيع". للمترجم أيضا رواية باللغة العربية تحت عنوان "حديث الصمت" عن دار القصبة سنة 2007، بالإضافة إلى كتاب تاريخي حول "تاريخ الإباضية في المغرب العربي". التقت به "الفجر" على هامش البرنامج الثقافي للصالون الوطني للكتاب، فكان هذا الحوار. كيف جاءت فكرة ترجمة الثلاثية، وهل الاقتراب من مؤلفات محمد ديب سهل؟ لقد تم اختياري لهذه المهمة من طرف القائمين على تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة العربية، والحقيقة أنني فرحت كثيراً بالاختيار الخاص بالكتب المراد ترجمتها وليس لشخصي، لأن محمد ديب قريب إلى قلبي كجزائري، قرأته مرات ومرات باللغة الفرنسية وبالترجمة العربية أيضا التي لم تلفت الأنظار إلى هذا المعلم الأدبي الكبير، غير أن الإشكال كان في الوقت المقدم لي من أجل إنجاز هذه التجربة.. لقد أتممت العمل في ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وهذا وقت قياسي لترجمة محمد ديب لو أنني كنت قد نهلت منه سابقا. إذن؛ لا حديث عن صعوبات في الترجمة؟ لا.. الترجمة صعبة، وعلينا عدم استسهالها على الإطلاق، لكن الاستثناء في كتب محمد ديب، بالنسبة لي على الأقل لأنني من مواليد عام 1944 وعايشت الثورة وسنوات الاستقلال الأولى، هو استثناء حميمي، علاقة حب لهذا الوطن نقتسمها معاً، وظروف اجتماعية ليست غريبة بل تقاسمتها الجزائر كاملة أثناء الاستعمار فالدار الكبيرة هي كل البيوت، وأبطال محمد ديب هم نحن لا محالة، وعلية هو يتحدث بلغة أفهمها جيدا، لذا المشكل لا يطرح على الصعيد الضمني تبقى تقنيات الترجمة وأساليب النقل من لغة إلى لغة تخضع للوقت لا غير، تمنيت لو كنت أملك وقتا أكبر حتى أدقق أكثر في العبارات، لكن هناك مراحل أخرى تتطلب كذلك عامل الوقت من تصفيف وطبع.. وعليه يعود الحكم في مدى توفيقي في الترجمة إلى القارئ. كيف وجدت محمد ديب بعد خمسين سنة من الاستقلال، وما الذي اكتشفته في هذه الترجمة؟ لاتزال أجواء محمد ديب حقيقة، وقريبة من الواقع، بل هي الواقع الذي يمكننا من خلاله فهم ما يحدث اليوم، وأهم شيء اكتشفته هو أنه يعبر على لساني ويستند على شخصيات من الطبقة المتوسطة، ساهمت في اليقظة الوطنية سواء كانوا من عامة الناس، أو من شخصيات الحركة الوطنية، كشخصية حميد السراج مثلا.. لابد لشبابنا اليوم أن يقرأ لمحمد ديب لأنه - كما قلت لك سابقا - معلم أدبي شامخ، وإذا تقرر إدراج بعض هذه النصوص في المقررات الدراسية فأرى أنه من الواجب التدقيق فيها حتى لا نقدم لأبنائنا عملا ناقصا. كيف ترى حركية الترجمة في الجزائر، وما هي نصيحتك للجيل الجديد من المترجمين؟ هناك نهضة.. لا يمكننا إنكار ذلك، لكن يجب أن نتوقف قليلاً ونقوم بحوصلة لما قدمناه ثم نتابع مسيرتنا، ولعل النصيحة الأولى للمقبلين على الترجمة هو ضرورة الضلوع في اللغة.. لابد من قراءة منابع اللغة العربية من قرآن وشعر جاهلي وكلاسيكيات الأدب العربي، المترجم لابد أن يكون فقيها في اللغة بالمعنى التام.. بعد ذلك تأتي المرونة الكافية لترجمة النصوص، وهذه يمكن اكتسابها مع الوقت.