محمد تحريشي، دكتور في النقد الأدبي وعميد كلية الآداب للغات بجامعة بشار، متحصل على شهادة ماجستير في النقد الأدبي من جامعة حلب سنة ,1989 كما تحصل على شهادة دكتوراه دولة من جامعة وهران لسنة ,2000 له الكثير من المؤلفات من بينها ''أدوات النص'' و''النقد والإعجاز في الرواية القصة والمسرح''، كما له كتاب من تأليف جماعي حول إبراهيم درغوثي· في هذا الحوار الذي خص به ''الجزائر نيوز'' تحدث الدكتور عن واقع الترجمة الأدبية بالجزائر، على أنها مجال حيوي خصب يتسم بخصوصيات لغوية وأسلوبية، كما أكد أن الترجمة بالجزائر تتمتع بأشياء كثيرة، غير أنها ليست بخير، معلقا عن الترجمة المناسباتية المرتبطة بانتهاء التظاهرات الثقافية· مؤخرا، تطرقت في مداخلتك خلال اليوم الدراسي حول الرواية الجزائرية بين ضفتي المتوسط، إلى الرواية المترجمة واتخذت رواية ''خرفان المولى'' لياسمينة خضرا كنموذج، كيف ترى واقع الرواية المترجمة بالجزائر؟ الترجمة الأدبية في الجزائر مجال حيوي خصب يتسم بخصوصيات لغوية وأسلوبية تجعله مختلفا عن الترجمة في الحقول المعرفية الأخرى وفي مختلف العلوم، وفي الوقت ذاته تعد ضمن مدار الترجمة، وقد مرت الترجمة بعدة حالات ومستويات من العلو والانخفاض، ومن النجاحات والإخفاقات، وكانت بعض الأعمال محظوظة في أنها ترجمت من الفرنسية إلى العربية بفضل سياسة تعريب التعليم التي وفرت بدورها قراء باللغة العربية بكثرة، كما يوجد ثلاثة مستويات من الرواية المترجمة إلى العربية، فهناك روايات نالت الشهرة في نسخها إلى اللغة الفرنسية، حيث أسهمت هذه الشهرة في دفع المترجم ودار النشر إلى ترجمة هذا العمل. وفيما يخص المستوى الثاني، هناك روايات لم تحقق نجاحا باللغة الفرنسية وفرض على أصحابها أن تقرأ باللغة العربية، خاصة وأنها موجهة إلى قراء أغلبهم من المعربين. أما الحديث عن الترجمة الثالثة، فهي تنحصر في ترجمة المناسبات· وهل هناك ترجمة المناسبات؟ هذا أكيد، الترجمة المناسباتية هي التي ترتبط بالتظاهرات الثقافية أو المهرجانات، مثلا سنة الجزائر بفرنسا وتظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية التي اتسمت بدورها بالسرعة والتسرع والاستعجال. أعتقد أن هذا الأخير جعل هذه الترجمات لم تحقق الهدف المنشود منها، كما أن هناك تجليا آخر لترجمة الرواية في الجزائر، ويتجلى ذلك من خلال اختيار بعض دور النشر المشرقية لنصوص جزائرية وترجمتها إلى العربية· ما تعليقك عن ترجمة بعض روايات ياسمينة خضرا؟ في الواقع، ترجمة بعض روايات ياسمينة خضرا أعتبرها فعل حضاري لتقريب هذه النصوص من القراء المعرّبين في الجزائر، فمثلا تجربة محمد ساري في الترجمة الأدبية تجربة عميقة ومؤسسة متنوعة، وخير دليل على ذلك ترجمته لأكثر من رواية لياسمينة خضرا كرواية ''سنوات كابول'' و''صفارات إنذار بغداد'' وحاليا يترجم ساري ''le jour et la nuit'' لنفس الكاتب، محمد ساري وفق في هذه الترجمات إلى حد بعيد بما أنه أستاذ جامعي وروائي ومزدوج اللغة، إلى جانب أنه ملمّ بالثقافتين، كل ذلك مكنه من النجاح في عملية الترجمة، مع إيجاد بعض الصعوبة، فمثلا ترجمته لرواية ''بما تحلم الذئاب'' قد لاحظ المتتبعون عدم إدراك هذه الترجمة المستوى الجمالي والفني للنص · البعض من المثقفين يعتقدون أن أي نص يترجم عن غير لغته الأصلية فإنه يفقد معناه الحقيقي، ما تعليقك عن ذلك؟ أعتقد أن أي نص يخضع لعملية الترجمة لا يفقد خصوصيته الإبداعية والجمالية وحتى الفنية خاصة في كتابة ياسمينة خضرا، والسبب في ذلك أن ياسمينة يمثل ذلك الرجل الجزائري المتشبع بموروث عربي أصيل، فمن خلال ذلك ينقل هذه المستويات الإبداعية إلى اللغة الفرنسية، ويأتي المترجم ليعيدها إلى هذا الأصل، ولكن الصعوبة في الترجمة تكمن في تلك المرجعيات الأخرى كالمرجعيات الإفريقية واليهودية والمسيحية التي قد لا يكون المترجم على علم بها· البعض يرى أن التشاحن الدائم بين المعرّبين والمفرنسين يعتبر أحد عوائق الترجمة في الجزائر، كيف تفسر ذلك؟ أرى أن المواقف الحزبية والإيديولوجية والسياسية تعيق فعل الترجمة وفعاليته، كما أن ذلك يؤدي إلى نظرة إقصائية اصطفائية، إلى جانب اختيار الأعمال، وعليه المشكل في الترجمة يكمن عند أحاديي اللغة سواء كانوا معرّبين أو مفرنسين، كما أن المشكلة الأكبر تتجسد في التزمت الثقافي عند الفريقين· كيف هو حال الترجمة بالجزائر؟ بالفعل، إنه سؤال محير، كيف هو حال الترجمة في الجزائر مع وجود عدد هائل من أقسام الترجمة في الجامعات، هناك مؤسسات حكومية من المفروض أن تسهر على تفعيل الترجمة لتحقيق النقلة الحضارية المرجوة، وعليه واقع الترجمة في الجزائر لا يبشر بالخير، كما قال محمد ساري، رغم توفر الجزائر الى المعهد العالي العربي للترجمة، إلى جانب وجود معاهد متخصصة في الترجمة بالجامعات ووجود الجزائر ضمن موقع جغرافي وحضاري يؤهلها للعب دور الوسيط بين الشرق والغرب. بالرغم من ثراء المشهد الجزائري وتنوعه في مجال الترجمة، يبقى يعاني فقط من مشكل الأموال وكثيرا ما يلوم المشارقة إخوانهم الجزائريين على هذا التقاعس رغم معرفة الجزائريين للغات الأجنبية وإتقانهم اللغة الفرنسية، والغريب في ذلك أننا قرأنا الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي عند الكاتب المصري عبد صبور شاهين، وعليه الترجمة بالجزائر تعاني مشكلا ماديا وحسب· وماذا عن الترجمة جزائرية جزائرية؟ إن الترجمة في الجزائر بناء تراكمي يبدأ بالكم ليصل إلى النوعية والجودة والإتقان، منفتحا في البداية على التراث الإنساني أو منغلقا في الأخير على الإنتاج الجزائري، وعليه قد يكون المترجم جزائريا والعمل الأدبي جزائريا وكذا مبدعه. والملاحظ عن كل هذه الترجمات باستثناء الترجمات الأكاديمية التي يقوم بها بعض الأساتذة مثل رشيد بن مالك وعبد الحميد بورايو مع المنهج السيميائي وتحليل الخطاب على أنها جزائرية -جزائرية، أي أنها لا تخرج عن موضوع الجزائر سواء كانت تلك الكتابات التي ألّفها الغربيون عن الجزائر أو تلك التي ألّفها الجزائريون المقيمون في المهجر·