تعتبر أعمال محمد ديب في الجزائر، مرجعا من الطراز الأوّل، وهي في فرنسا وفي العالم معروفة ومعترف بها أيضا كمرجع، فهي تحظى بثلاث خصوصيات، حيث أنّها تتبوأ في الجزائر المركز الأوّل بين الأعمال المكتوبة باللغة الفرنسية، وتحظى بقبول كلّ القرّاء مهما كانت اللغة التي يتعاملون بها، إضافة إلى طابعها الجزائري المقبول بلا منازع، ومن هذا المنطلق تنظّم جامعة ''أبو بكر بلقايد'' بتلمسان بالتعاون مع المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الإنسان والتاريخ، ملتقى دولي تحت عنوان ''صدى أعمال محمّد ديب''. ومن هذا المنطلق، يستضيف ''قصر الثقافة'' بإمامة ابتداءا من اليوم وإلى غاية السادس عشر ماي الجاري، هذا الملتقى الذي يعدّ الخامس تحت لواء تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' بعد ملتقيات ''تاريخ حاضرة تلمسان ونواحيها''، ''الشعر النسوي بتلمسان''، ''الإسلام في المغرب ودور تلمسان في انتشاره''، وكذا ''مفكرو وأعلام تلمسان''، حيث سيتمّ التركيز على إدراج أعمال محمد ديب في عمقها السوسيولوجي وإبراز القيم التي تبني وتحدّ مسار الكاتب، وأشار القائمون على هذه التظاهرة إلى أنّ أعمال ديب محلّ إعادة إنتاج القيم الكبيرة المؤسّسة لها، ترقى إلى مصفّ الإنسانية وتؤكّد بذلك أيضا اندراجها في الحداثة الدائمة. ويضيف القائمون على الملتقى أنّ ديب يكتشف، بذلك الإنفتاح من جديد، خصوصية الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية وقدرتها على استيعاب الثروات العلمية والثقافية للبلدان التي فتحها الإسلام، وفي نفس الوقت قدرتها على تحويلها ، ومن هنا تهدف كلّ النشاطات التي تمّ اقتراحها على اختلافها وتنوّعها إلى إبراز المنحى الرمزي لأعمال منغمسة في الإرث الإسلامي المغاربي، ومنفتحة كلّ الإنفتاح على العصرنة والحداثة مثلما تتشكّل منذ المدّ الاستعماري في القرن التاسع عشر، كما يراد من خلال هذا الملتقى التفكير في أعمال ديب والرمزية التي تشعّها، إلى جانب دعوة الجمهور إلى رحلة ضمن وبين اللغات التي تهيكل ممارسات الكتابة الأدبية في بلادنا، وهي فرصة للتأمّل من خلال مفاهيم الذاكرة والتراث والهوية والغيرية والتبادل والإندراج وتعدّد الأصوات، في التعدّد الذي يؤسّس مخيّلتنا وكذلك في إمكانية استكشاف فضاءات أخرى. زصدى أعمال محمد ديب'' يريد أن يبرهن مثلما تبرزه أعمال ديب، أنّ العمل الأدبي هو بمثابة مخبر للتبادل الثقافي واللغوي نتفاوض فيه باستمرار حول هويتنا، ويفتح أيضا فضاء للكتّاب للتحاور حول ديب وكتّاب اللغة المزدوجة، إضافة إلى تأصّل أعمال ديب في العمق الفلسفي والروحي والثقافي بتتبّع البصمات التي تطفو من على سطح النصّ. وعلى ضوء ما سبق، سيتم خلال هذا اللقاء الأدبي الدولي التطرّق إلى خمسة محاور للمداخلات، تتناول ''اللغة تحت اللغة''، ''ترجمة الثقافي''، ''الإنتقال بين اللغات''، ''شاعرية محمد ديب ومضامينها'' و''الأبعاد الاجتماعية للترجمة''، ولتبادل الأفكار وفتح النقاش بين المختصين، ستنظّم مائدتان مستديرتان، الأولى يحضرها الكتّاب الأدباء وتطرح تساؤل ''هل الكتابة هي في كنهها ترجمة؟''، والثانية خاصة بالمترجمين وتعنى ب''ممارسة الترجمة''. المائدة المستديرة الأولى سيتمّ من خلالها الوقوف عند قدرة الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية على تصوير الواقع التاريخي والثقافي واللغوي المحلي بلغة الآخر، وبكلماته المشحونة بتاريخها، علاوة على النظر والتأمّل في هذا الأدب عبر العمل الترجمي الذي هو في الحقيقة من صلب العمل الأدبي، وكذا الخوض في ذاك العلم ذو الوجهين، الذي رسمه أدباؤنا الذين يكتبون بلغتين أو أكثر على غرار مرزاق بقطاش، محمد ساري، واسيني الأعرج وأمين الزاوي، مع العودة بالذكريات إلى هؤلاء الكتّاب الجزائريين الذين كانوا في غالبيتهم مزدوجي اللغة يكتبون باللغة العربية وتارة أخرى باللغة الأخرى.أمّا المائدة المستديرة الثانية، فتفتح النقاش حول ممارسات الترجمة وترجمة الأعمال الأدبية، مع التوقّف عند قلّة نقل الأعمال المؤلّفة باللغة الفرنسية إلى العربية في فضائنا، حيث تمّ بعضها في الفضاء المشرقي، مما جعلها تعاني من عدم فهم خصوصيات الكتابة المغاربية، مع الإهتمام أيضا بالمحاولات الحديثة للسفر بين اللغات وترجمة نصوص كُتبت باللغتين العربية أو الفرنسية إلى الأمازيغية، وفي نفس الوقت نقلت بعض النصوص الأمازيغية إلى إحدى اللغتين العربية أو الفرنسية. وسيعرف هذا الملتقى مشاركة أساتذة وباحثين وكذا أدباء من الوطن، على غرار واسيني الاعرج، مراد يلس، فاطمة بوخلو، بتول بن عباجي سيتوتي، رشيد بوجدرة، سميرة نقروش، رابح نور الدين سعدي، ابراهيم تزغارت، حبيب طنغور ، أمين الزاوي، إلى جانب عفيفة برارحي، ناهدة غليل علال، خولة طالب الإبراهيمي، وحيد بن بوعزيز، سفيان حجاج، محمد ساري، احمد منور، نجاة خدة، امينة بكات، ياميلي حراوي غبالو، عبد الحميد بورايو وجيلالي ساري. ومن خارج الوطن، نجد من فرنسا بول سيبلو، آن روش، كورين بلونشو، إليزابيت أروند، هرفي صانصون، فرانسواديبلونك، ومن إيطاليا فرانشيسكا كوراوو، من المغرب عبد الجليل الأزادي، ومن ألمانيا رجينا كايل ساغاوي. ويتزامن هذا الملتقى مع الإعلان عن جائزة محمّد ديب التي تمنحها جمعية محمّد ديب ''الدار الكبيرة'' لمدينة تلمسان، تحت إشراف لجنة تحكيم دولية ترأسها الأستاذة الباحثة نجاة خدّة، والهادفة إلى تشجيع الكتّاب الشباب، كما سيتمّ تنظيم عرضين فنيين من إنتاج ورشة المسرح التابعة للجمعية الثقافية ''الدار الكبيرة''، تحت عنوان ''سيمورغ'' و ''فجر إسماعيل'' بالإضافة إلى عرض فيلم وثائقي تحت عنوان ''الأرض تتكلّم عربي'' من طرف المخرجة ماريز قرقور، ويسلط هذا الفيلم الضوء على حقيقة مؤلمة تتعلق بالاستيلاء على الأرض الفلسطينية من طرف الصهاينة. كما سينظّم معرض للصور والنصوص المخطوطة خلال هذه التظاهرة الأدبية الدولية، التي تعدّ بداية لسلسلة من اللقاءات التي ترسّخ وتناقش أعمال محمد ديب، حيث من المنتظر أن ينظّم شهر ديسمبر القادم ملتقى حول الصوفية سيتطرّق إلى موضوع ''الآثار الصوفية في أعمال محمد ديب''.