عادت من جديد مخاطر الفيضانات وانزلاقات التربة إلى واجهة الأحداث في مدينة سكيكدة في أعقاب الأمطار الغزيرة التي تهاطلت لمدة أسبوع دون انقطاع في الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر، وبات هاجس الفيضانات والانزلاقات الأرضية أحد عوامل القلق الذي يساور السكان والسلطات معا، ليضاف إلى هاجس انفجارات المنطقة الصناعية وتصدع المباني العتيقة الكائنة بالمدينة القديمة وأهوال البحر وأمواجه التي تقضي من حين لآخر على مجموعة من أساطيل الصيد البحري وتصيب أحيانا أرصفة بكاملها. فقد غرقت المدينة، الأسبوع الماضي، في مجموعة من البرك المائية التي بدأت من مدخل حي مرج الذيب الكائنة في الجهة الجنوبية الشرقية في منخفض بسفح جبل الزرامنة ذي الارتفاع الشامل، حيث تحول هذا الحي إلى سيول جارفة غطت معظم شوارعه الرئيسية وعزلته عن أطراف المدينة وعن البلديات المجاورة له، وهي حمادي كرومة ورمضان جمال وفلفلة. كما امتلأت شوارع حي صالح بولكرود بوابة المدينة من الناحية الجنوبية وانقطعت حركة المرور طيلة يوم كامل من نهار 20 ديسمبر الماضي بين الحدائق وسكيكدة، جراء فيضان وادي الزرامنة ووادي الحدائق الذي يندمج في حي الإخوة الساكر. وكاد سيناريو الفيضان الخطير الذي وقع في نوفمبر من 1984 يعود مرة أخرى لو كان سد زردازة بدائرة الحروش في حالة امتلاء الفيضانات التي تعرفها المدينة في كل مرة تسقط فيها كميات كبيرة من الأمطار، إنما تأتي من الانسداد الذي يسجل على مستوى وادي الصفصاف، ولا سيما على مستوى نهايته ونقطة تقاطعه مع مصب البحر في ليلو، حيث تتجمع جذوع الأشجار والحجارة الكبرى وأشياء أخرى لتمنع مياه الأمطار القادمة من جبال بلدية بوشطاطة ومن أعالي جبال رمضان جمال والحدائق والزرامنة لتساعد على تدفق سيول جارفة تنحدر نحو المنخفضات القريبة ومن بينها أحياء الصفصاف و500 مسكن و700 مسكن وصالح بولكرود ومرج الذيب وتندفع بقوة كبيرة نحو قلب المدينة. ولإشارة، شبكات تصريف مياه الأمطار لم تتجدد هي الأخرى بالكيفية العددية وبالحجم المناسب للسيول الجارفة، إذ تتوفر المدينة سوى على عدد قليل من هذه الشبكات المنشأة في فترة الخمسينيات لعدد محدد من السكان؛ بينما أنشأت مع بداية الثمانينيات أحياء جديدة في كامل المنطقة الجنوبية للمدينة لم تراع فيها الجانب التقني الكايف لشبكات تصريف مياه الأمطار، هذا إلى جانب انسداد الكثير منها بسبب ضعف الصيانة التي يفترض أن تتم قبل حلول فصل الشتاء وعامل سرقة الأغطية الجديدة من جانب اللصوص الذين تخصصوا في سرقة كل ما له صلة بمادة الحديد ما يعرض هذه القنوات إلى دخول أشياء صلبة وثقيلة بداخلها تعطلها عن أداء وظيفتها الأساسية. السلطات المحلية والمركزية ممثلة في وزارة الري برمجت في إطار المخطط الخماسي السابق مجموعة من البرامج والعمليات منها إنشاء سد في بلدية بوشطاطة، غرب سكيكدة، يوجه لامتصاص الأمطار القادمة من مرتفعات بوشطاطة وتجميعها والحد من اندفاعاتها الخطيرة إلى جانب توجيه مسارها بطاقة 7 مليون متر مكعب كلف مكتب دراسات برتغالي بإعداد بطاقته التقنية، ويكون انجازه في مطلع سنة 2013. وهناك مشروع آخر لبناء سد في أعالي جبال رمضان جمال لامتصاص مياه الأمطار القادمة من مرتفعات منطقتي بوخمخم وبوحاجب ببلدية زردازة وكلف مكتب دراسات تقني متخصص في المنشآت المائية بفرنسا. وينجز هذا السد في بداية 2013 وتخصص مياهه لسقي المحيطات الفلاحية بوادي الصفصاف، هذا إلى جانب حماية المدينة من الفيضانات. وإذا كان الوضع القائم على مستوى عاصمة الولاية ينذر باستمرار خطر الفيضانات إلى حين، فإن البلديات الواقعة في الأراضي المنخفضة لا تشذ هي كذلك عن القاعدة المميزة لمدينة سكيكدة لذلك تطالب الهيئات المحلية الإدارية والمنتخبة على السواء بانتهاج طريقة أكثر ناجعة وشمولية تعتمد على توسيع دائرة أحواض المصبات وشبكات تصريف مياه الأمطار ذات القدرة العالية وربطهما ببعضهما وإقامة أحزمة، لا سيما حول المدن المعرضة لخطر الفيضانات وهي سكيكدة ورمضان جمال وصالح بوالشعور وبني ولبان وامجاز الدشيش وبكوش لخضر وششار والقل وبن عزوز وفلفلة وغيرها وإعداد دراسات جيوتقنية تستند إلى مكاتب دراسات ذات تخصص عالي سواء وطنية أو أجنبية وإلزام البلديات ومديرية الري بتقنية الأودية التي تشكل مصادر للفيضانات ومنها وادي القبلي ووادي الصفصاف والوادي الكبير وواد فندق وواد الزرامنة، وبرمجة بالوعات كبرى في كل الأماكن الحساسة التي تجتمع فيها مياه الأمطار.