جريئة هي المبادرة التي أطلقها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة. وحبذا لو كان الرئيس بشار الأسد هو المبادر إلى إطلاق مثل هذا الحل في خطابه بجامعة دمشق. فلو جاءت هذه المبادرة على لسانه لسجل سابقة بين الرؤساء العرب تحسب له بأنه القائد العربي الوحيد الذي قام بثورة من فوق، ولوفّر على سوريا شر المؤامرات الفعلية والارهاب المتربص بها. لو فعل لأعاد إلى سوريا ممانعتها وقوتها واستقرارها. لكنه، ويا للأسف، لم يفعل ولن يفعل، ولن يدير حتى أذنه للاقتراح العربي أو يقبل بسماعه. فقراره سبق له أن اتخذه وسمعه القاصي والداني في حرم الجامعة: ”يحيا الحل الأمني خيارا وحيدا”، و”علي وعلى أعدائي”. أثبتت تجارب الثورات العربية أنه في الدول حيث الانقسامات العمودية متجذرة وعميقة، لا يمكن الثورة أن تنجح إلا إذا كانت وطنية الطابع، وعندما تخسر الانتفاضة هذه الصفة تتحول مشروع فتنة واقتتال أهلي. وإذا كان جذر التحرك في سوريا مطلبياً وطنياً، فإن أسبابا كثيرة جعلت الطائفي يطغى على الوطني والخاص يطغى على العام. ومع التحول التدريجي للعمل المعارض من تحرك سلمي وطني يحمل قضايا الناس، إلى عمل عسكري ميليشيوي أحادي الطابع والمكون يأخذ طابع الانتقام والانتقام المضاد، تدخل سوريا نفقا مظلما لا يتمناه لها أي حريص على هذا البلد. في مثل هذه الدول، لابد من تسويات تاريخية بين المكونات تجنبا لشر الحرب الأهلية وتدمير الدولة والبلاد، تسويات تضمن لكل مكونات الوطن فرصا متساوية للمشاركة في السلطة واتخاذ القرار وصنع المستقبل. لكن أحدًا لم يبادر إلى طرح تسويات كهذه، وإذا بالأزمة تتحول مشكلة معقدة ومتشابكة يتداخل فيها المحلي والخارجي، الأمر الذي أدخل حصان طروادة إلى القلب السوري وجعله مريضا يحتاج إلى جراحة للشفاء. لا شفاء لسوريا، إلا بتقديم تنازلات كبيرة من الحرصاء عليها ولو على حسابهم الشخصي، ولا خروج لسوريا من هذه المحنة إلا بإبعاد المتطرفين من كلا طرفي المعادلة الداخلية عن رسم المستقبل، ولا حل إلا بتوافق جميع المكونات السورية على برنامج موحد يحفظ للجميع حقهم في المواطنة ويساوي بينهم. سيادة الرئيس، يسواك ما يسوى الرئيس اليمني فاقبل بما قبل به. ويا بروفسور برهان غليون عد إلى جامعتك الباريسية فطلابك في الانتظار لسماع تجربتك الجديدة، ذلك أن مجلسك الوطني فشل في توحيد المعارضين ولم يفلح في إعطاء صورة البديل الديمقراطي. سيادة الرئيس، حضرة البروفسور... ارحلا وجنّبا سوريا الكأس المرّة.