لماذا يطلب من الصحفي أن يسكت عما يجري في البلد بينما المفروض فيه أن يكون عينا ساهرة تنقل بصدق وبموضوعية ميدانية انشغالات المواطن؟ لماذا يطلب من الصحفي أن يخرس عن طرح السلبيات مهما كان مصدرها، بينما المفروض فيه أن يكون مثقفا وعارفا ومحللا للأحداث وبالتالي مساهما في صنع ما يجري على الساحة الوطنية والدولية؟ لماذا يهدد الصحفي في قيمه وأفكاره وشخصه، والمفروض فيه أن يكون مختلفا عن أفكار عامة الناس، خاصة إذا جاء هذا التهديد والشتم من أقلام لا تحسن حتى كتابة جملة مفيدة أو تدافع عن رؤى دقيقة ومعلومات صحيحة سواء كانت بالعربية أو بالفرنسية..؟ لماذا تسيء الإدارة معاملة الصحفي وتتجنب التعامل معه وتحرمه من المعلومة الأساسية فقط لأنه انتقد فسادها ومحاباتها وسوء معاملتها للمواطنين وأحيانا تعسفها للناس من أصحاب القضايا أو التمييز بينهم من حيث التعامل والممارسات، فتفرط في التهرب من استقبال الناس وتتهرب من سماع مشاكلهم، والمشكل الأخطر هو عدم الرد على رسائل الاستغاثة إلا من رحم ربك أو سهلت طريقه الوساطة والمحسوبية، وكأن هؤلاء الناس ليسوا من هذه الدولة التي كان شعارها دائما "من الشعب وإلى الشعب" رغم أن الجميع قد اعترف بهذه "الخطيئة الكبرى" بما في ذلك نظام الحكم نفسه..؟ لماذا تشحن الأحزاب ضد الصحفي، وتعتبر انتقاده لقادتها في سوء التسيير وضعف أساليب التواصل مع المحيط، وعدم الاعتراف بالنقائص والأخطاء، خطأ، بل وتتهمه بأنه من أزلام النظام وأنه "شيات" ومأجور.. حتى وإن كان يعمل في صحافة مستقلة ليس لها علاقة بالسلطة، وحتى وإن كان يركب القطار ويسكن الحمام..؟ لماذا يتسابق المتعصبون من التيارين الديني والليبرالي، للتهجم على الصحفي لمجرد أن ما كتبه ليس في صالحهم أو في مدحهم، فيصبح رغما عنه محابيا للنظام.. رغم فشل التيارين كليهما في الوصول إلى المواطن بالعقل والفكر والتحليل وليس بالدعاية والتضليل..؟ لقد أثبتت الأحداث ضعف اللبراليين والعلمانيين، حسب تسمية الإسلامويين، وتفرقهم، طبعا بسبب أنانية القيادات وغرور المسؤولين بذواتهم، ما عمق مع الأيام عدم قدرتهم على تقبل بعضهم البعض، فأضعفهم وأضعف محاولاتهم المتكررة لإيجاد تقاطع لأفكارهم يوحد مطالبهم ويعمل على تشكيل قوة اقتراح معنوية وسياسية تستطيع أن تكفل للشعب اختيارا جديا ومنطقيا يمكن التنافس من خلاله في المستقبل على بناء ديمقراطية واقعية وتعددية حقيقية..؟ كما أثبتت الأحداث فشل التيار الوطني، وقد كان في الحكم، بحكم محاباته للنظام، وسكوته عن أخطائه، وعدم قدرته عن ضمان مطلبية حقيقية تدافع عن المبادئ الأساسية للدولة الجزائرية التي نص عليها بيان أول نوفمبر، بل وعجزه عن محاسبة المتورطين في خرق تلك المبادئ، أو التصدي لأولئك المدافعين عن بقايا الإديولوجية الاستعمارية بحجة مصلحة الوطن.. والوطن منها براء..؟ ولن يستطيع التيار الإسلاموي هو الآخر، أن يخرج عن القاعدة لأنه فشل في نقل تصور إسلامي نقي بعيدا عن المصلحية والأنانية وتكفير الناس.. لأن اتهام كل من ينتقد الإسلامويين بالكفر، هو عجز عن إقناع الآخر وتقبل فكر الآخر، وكأن انتقاد الأشخاص هو انتقاد للإسلام، لم يستفد هذا التيار من التاريخ أبدا، التاريخ الذي انتقد فيه واتهم بل وقتل أحسن الخلفاء الراشدين الذين لن يستطيع أن يتفوق عليهم أحد ولا على تقواهم ولا على صدقهم وحرصهم في الدفاع عن الإسلام. مع العلم أن الإسلام للجميع والوطن للجميع والديمقراطية قناعة يمكنها أن تكون للجميع أيضا.. ومع ذلك، ومع كل ما عانيناه كصحفيين وما نعانيه يوميا وما سنعانيه مستقبلا، فإننا لن نيأس ولن نستسلم وسنرفع التحدي دائما وسندافع عن آرائنا واختياراتنا وعن الديمقراطية والحرية التي نؤمن بها، ويكفينا فخرا أننا قدمنا حياتنا ذات يوم، في عشرية أتت على الأخضر واليابس، من أجل الوطن الذي روي بدماء الشهداء.. السكوت أولاش.