لسنا في حاجة ليقولها الرئيس، بأن الانتخابات المقبلة مصيرية وأن المرحلة خطيرة بأتم معنى الكلمة، ليس لأن هناك أطماعا خارجية فحسب، بل لأننا إن لم نتجند كوطنيين ونذهب إلى صناديق الاقتراع بقوة لنقطع الطريق أمام التيار الأصولي، فإن عشرين سنة من حربنا على الإرهاب ستذهب سدى، مثلما تذهب سدى أرواح الجزائريين الذين سقطوا على يد الإجرام الأصولي. لا أظن أن الطبقة السياسية الوطنية من غير الإسلاميين واعية بهذا التحدي، ولهذا ربما أسيء فهم خطاب بوتفليقة من قبل المحللين الإعلاميين، واعتبروه خوفا من هاجس المقاطعة ليس إلا، لكن في الحقيقة الخوف هو من سوء تجنيد القوى الإيجابية التي واجهت بالأمس آلة الدمار، والتي خاب ظنها فيما بعد بسبب سياسة المصالحة التي بيضت الإرهابيين من دماء ضحاياهم من جهة، ومن جهة أخرى بسبب قضايا الفساد المستشري في دواليب السلطة، مع تقاعس في محاربة الظاهرة التي كلفت البلاد خسائر لا تقل عن تلك التي خلفها الإرهاب. وعوضا عن التجنيد في جبهة وطنية منظمة لضمان سد الطريق أمام عودة الخطر الأصولي عن طريق الصناديق، والوعي بخطورة المرحلة التي يمر بها العالم العربي، والأطماع الأمريكية السافرة في المنطقة، نحضر سباقا محموما على القوائم الانتخابية، والبحث عن التموقع بأي ثمن في رؤوس القوائم، والهدف واحد، هو الفوز بالتقاعد المريح وفقا للقانون الذي منح النواب راتبا مدى الحياة، بالإضافة إلى المزايا الأخرى التي يمنحها المنصب، حتى أن الكثير من الطامعين في الترشح لا يترددون في طرح التساؤلات، أي الأحزاب وأي القوائم أوفر حظا في الفوز، وأيها تحوز رضا أصحاب القرار، قبل أن يتخذوا قرار مع من سيترشحون. لا أحد من هؤلاء "الطامعين" في الإنابة يعي ماذا نريد، بل ماذا سنفعل بالبرلمان المقبل؟ بل أحد منهم وثق فيما قاله وزير الداخلية بأن البرلمان المقبل سيتولى مهمة صياغة دستور جديد، بل ما معنى صياغة دستور جديد في حد ذاتها، مع أن معناها أنه إذا فاز الإسلاميون بالأغلبية فإنهم هم من سيصيغ الدستور، وفق الإرادة القطرية-الأمريكية، وأن المكاسب الديمقراطية المحققة بالتضحيات العظام ابتداء من ثورة نوفمبر، وانتهاء بالحرب على الإرهاب، وما واجهته البلاد طوال العشرية السوداء من حصار وعزلة سيسقط بجرة قلم. وتخوف الرئيس من فشل الانتخابات المقبلة هو هذا وليس شيء آخر.