لن يمر عام 2012 دون أن يترك في عقول الجزائريين آثارا راسخة لشتاء بارد قلما عاشته الجزائر في تاريخها، عنوانه أبيض وبطلته كميات هائلة من الثلوج اجتاحت أغلب ولايات الوطن، أدت إلى عزلة أناس وهددت حياة آخرين، وجدوا أنفسهم محاصرين ببيوتهم وينتظرون مصيرهم. ومع ذلك فالأمل بقي قائما لدى كل شخص حاصرته جبال الثلوج، كونه لم يقطع الاتصال بذويه، ببساطة لأنه كان يحمل في يده هاتفا نقالا. البداية كانت مع الخال محمد وهاتفه المحمول الذي أنقذه من المبيت في العراء.. “ألو ألو.. لقد علقنا في الثلج ولا يمكننا المرور”، عبارة رددها خالي محمد وهو عائد في طريقه إلى مقر سكناه بالعاصمة، عبر الطريق الرابط بين مدينة تابلاط التابعة لولاية المدية والأربعاء بولاية البليدة، بعد أن غمرته الثلوج، حينها انتابني شعور وفكرت وقتها أنه لو لم يكن خالي وكل الناس الذين علقوا معه مزودين بهواتف نقالة لحدث لهم مكروه لا قدر الله، فبسرعة البرق وصل الخبر إلى السلطات المحلية لبلدية تابلاط، التي بمساعدة أبناء منطقة الحوضين، قامت بإخراج أكثر من 20 سيارة من وسط جبال الثلوج التي تساقطت في ظرف قياسي، بعد إجلاء المواطنين، خاصة منهم النساء والأطفال، ونقلهم إلى المدينة. اتصال من إدير بعائلته في أعالي تيزي وزو يتحول إلى عمل بطولي إذا كانت هذه حالة عشناها على الأعصاب، ونحن في البيت حاملين هواتفنا النقالة ونترقب أي اتصال أو (أس أم أس) من الخال محمد، الذي بقي محاصرا أكثر من 10 ساعات بين الثلوج، فهناك ملايين مثلنا كانوا هم أيضا قلقين على أهاليهم وعائلاتهم، سواء القاطنين بالولايات الأكثر تضررا مثل المدية، تيزي وزو، البويرة، البرج، قسنطينة، سطيف وغيرها، أوالمارين عبر طرقات شلتها الثلوج، لكن بقائهم على اتصال بهم هون عليهم وهدأ من قلقهم. وهنا بالذات وقفنا عند حالة أخرى، حيث روى الشاب (إيدير.ت) المنحدر من منطقة القبائل الكبرى، موظف بالعاصمة، أنه عايش لحظات حرجة وهو بعيد عن عائلته، لكن اتصاله المستمر بوالده جعله يطمئن أكثر، وما قاله ل”الفجر” يمكن أن نستخلص منه عبرا أيضا:”اتصلت أسأل عن والدي وعن حالة عائلتي وأهل قريتي هناك، فإذا هو متذمر من افتقار أهل المنطقة لغاز البوتان، هنا قلت له أن يوزع كمية معتبرة من الحطب كانت مخصصة للبناء من أجل إشعالها مؤقتا، قبل حل قضية الغاز”، الأمر الذي جلب ارتياح إيدير الذي اعتبر أن الهاتف النقال كان نعمة كبيرة استغلها الجزائريون في الظروف القاسية، كما أنها منعت حصول كارثة حقيقية وأنقذت حياة الكثيرين، يضيف محدثنا. الاتصال بالخط الأخضر يسهل المهمة على مصالح الأمن في نفس الوقت وجدت مصالح الأمن الوطني والدرك الوطني، سهولة في الاتصال بالمتضررين جراء التقلبات الجوية التي شهدتها البلاد في الأسبوع الأول من شهر فيفري الماضي. فعلى سبيل المثال، وفي أحد التقارير، سجلت المديرية العامة للأمن الوطني أكثر من عشرة آلاف اتصال تلقتها عبر الخط الأخضر بمختلف لولايات المتضررة بالتقلبات الجوية بين 3 و 4 فيفري. من جهتها فتحت الإذاعات الجهوية المجال أمام المستمعين من خلال تلقيها للمكالمات الهاتفية، قصد استقبال مساعدات التضامن مع العائلات المنكوبة من مواد غذائية وأغطية وأفرشة و قارورات غاز البوتان ومستلزمات التنظيف وأشياء أخرى، بالإضافة إلى تشكيل خلايا أزمة واتصال لإنقاذ العائلات التي حاصرتها الثلوج، تحسبا لأي طارئ وقصد التدخل الآني والسريع. نساء حوامل وضعن مواليدهن بسلام لأنهن بقين على اتصال بالحماية المدنية كما لا يختلف اثنان أن الهاتف المحمول يكون قد أنقذ حياة كثير من المواطنين، فما بالك بنساء حوامل وجدن أنفسهن أمام خطر يهدد حياتهن وحياة مواليدهن، فهنا قام النقال بمهمته وكان وسيطا بين المواطنين والحماية المدنية.. ففي أحد التقارير للحماية جاء أن مصالحها في إحدى المناطق المتضررة قامت بإجلاء 8 نساء حوامل من المناطق النائية كن على وشك الوضع، فيما قامت إحداهن بوضع مولدوها بالطريق، ناهيك عن إنقاذ وإجلاء عشرات الأشخاص والمرضى من الخطر نتيجة لكثافة الثلوج التي وصل سمكها بعض المناطق إلى مترين أو أكثر. النقال يجمع بين شبان “الفايس بوك” قبل الانطلاق نحو مساعدة المحاصرين إلى ذلك التمسنا مهمة أخرى للهاتف النقال، لأنه كان صلة بين شبان متطوعين أعطوا لأنفسهم اسم “شباب الفايسبوك”، حيث كانت شبكة التواصل الاجتماعي نقطة انطلاقهم، قبل أن يجتمعوا عن طريق الاتصال ببعضهم البعض عن طريق الهاتف. وفي هذا السياق نتوقف على ما قام به بعض الشبان من منطقة تابلاط، حيث قرروا اختراق صحراء الثلج من أجل إنقاذ المتضررين، مرتدين ملابس مقاومة للبرد والثلج وقفازات جلدية وأحذية مبطنة وقبعات على الرؤوس وهواتف مشحونة ورصيد كاف للتواصل في حالة الطوارئ. وعند سؤالنا لأحدهم عن وجهتم قالوا إنهم متوجهون إلى “دوباسان” أوبلدية الحوضين، وذلك لمساندة ذويهم، مؤكدين أنهم ظلوا على اتصال معهم منذ بداية العاصفة، وهو الأمر الذي ضاعف عزيمتهم للوصول إلى تحقيق هدفهم ونيل الحسنات جراء فعل الخير. وهنا أضاف الشخص يقول:”الهواتف النقالة سلاحنا للوصول والتواصل مع السكان المحاصرين، ومنه لطلب النجدة أيضا في الحالات الطارئة”. من قال أن الهاتف النقال ليس ضروريا فهو خاطئ! ليس للظن محل في أن نقول إن للهاتف النقال منافع وسلبيات، إلا أن دوره هذه المرة كان كبيرا، فوجوده بحوزة أي شخص وجد نفسه بين ليلة وضحاها محاصرا بين جبال ثلجية، كان بمثابة سلاح حقيقي جعله يحارب كل الوساوس وجميع الأفكار السيئة المنادية لفقدان الأمل، فبقاؤه على تواصل دائم وطيلة أيام العاصفة كان أفضل له من المغامرة أو المجازفة بروحه، في أي محاولة للخروج كانت ستعود عليه بالخطر حتما.