أجمل خبر قرأته هذه الأيام ويخص التشريعيات في الجزائر هو خبر ترشح أحد المكفوفين من باتنة لعضوية البرلمان! وعندما قرأت الخبر سرحت بخيالي وتصورت برلماننا القادم يتكون من قوى سياسية رئيسية هي المنظمة الوطنية للمكفوفين.. والاتحاد الوطني للصم والجمعية الوطنية للبكم! بحيث نزود البلاد ببرلمان ثلثه لا يرى شيئا.. والثلث الآخر لا يسمع بما تقوله الحكومة.. والثلث الثالث لا يتحدث أبدا.. وبذلك يتحقق الهدف السياسي من البرلمان الذي تسعى السلطة الفعلية إلى إقامته منذ 1962 إلى اليوم ولم تفلح! نعم النيابة تمثيل للشعب، والصم والبكم والعميان أقلية من أكثر الأقليات الاجتماعية مسالمة وهدوءا! وإذا كنا نقبل بأن تحكمنا الأقلية المستڤورة والاستئصالية المشاكسة والدموية فلماذا لا نقبل بأن تحكمنا أقلية صماء مثل التلفزة الجزائرية بلا صوت وبلا نظر وبلا آذان أيضا! زميلتي حدة قالت لي: إن الحكمة عند القردة في الثالوث القردي الذي يقفل فمه ويسد أذنه ويغمض عينيه! وبرلمان فيه هذه القوى السياسية الهائلة في العمى والصم والبكم سيكون برلمانا رائعا! لكن البرلمان الذي يترشح له مهرج الجلفة وتترشح له جميلة سطيف وينجحان بالضحك على الشعب وبإغراء الشباب بالجسم الفتان لماذا لا يترشح له الكفيف والأبكم والأصم الذي يحمل شهادة ليسانس في الحقوق وشهادة الدكتوراه في حسن السيرة والعقالة! خاصة وأن صحفيا لامعا قال في إحدى المواقع على الأنترنت "إنه قضى عقدا من الزمن في قاعات التحرير بالصحف وقضى عهدة واحدة في البرلمان.. ولم يجد فرقا بين الصحافة والنيابة"! عندما تنعدم الفوارق بين المهن في بلد ما لا تتعجبوا إن رأيتم ذات يوم مطربا كبيرا تخرج من مدرسة البكم.. ورأيتم موسيقارا كبيرا تخرج من مدرسة الصم.. ولا تتعجبوا أيضا إذا رأيتم كبير علماء الفلك عندنا قد تخرج من مدرسة العاشور للمكفوفين! وعندما يقول زعيم حمس أبو جرة سلطاني: "إن البرلمان الجزائري أصبح مؤسسة للتقاعد المريح" فذاك يعني أنه من العدل الاجتماعي والسياسي أن لا نحرم المكفوف والأصم والأبكم من حقه الدستوري في الاستفادة من حقه في الحصول على تقاعد مريح هو أيضا! والحق يقال: "إن الوظائف التي يؤديها نوابنا الآن في البرلمان بإمكان أي أبكم أو أصم أو أعمى أن يؤديها بكفاءة وهي رفع الأيدي بسبب وبغير سبب! ولذلك فإن الأبتر فقط هو الذي لا يصلح لأن يكون نائبا لافتقاره لليد التي يرفعها للتصويت أو التصفيق! هذا الكلام ليس تهكما على مؤسسة البرلمان ولكن صورة للوضع الذي وصلت إليه حالة المؤسسات الدستورية في البلاد وهو وضع يبكي ولا يضحك.